للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى ذلك فقد كان رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - يسمع جماعة من الصّحابة يجهرون بالقراءة في صلاة اللّيل فيستمع إليهم، وقد أَمَرَ أيضًا بالجَهْرِ، فقال: "إذا قام أحدكم من اللّيل يُصَلِّي فليتهجَّد بقراءته، فإنّ الملائكةَ وعُمَّارَ دَارِهِ يسمعون إلى قراءته ويصلّون بصلاته" (١).

ومرَّ على ثلاثةٍ من الصحابة باللّيل تختلف احوالهم، فمنهم من كان يخافِت وهو أبو بكرٍ، ومنهم من كان يجهَر وهو عمر. وهذا أصل المسألة.

فنقول في ذلك -والله أعلم-: إنّ المُخَافَته بالقراءة هي أفضل إذا لم تكن للعبد نيّة في الجَهْرِ؛ لأنّه أقرب إلى السّلامة، وأبعد من دخول الآفة، وإن الجَهْرَ أفضل لمن كانت له نِيَّة في الجَهْرِ؛ لأنّه قد أقام سُنَّة قراءة القيام للهِ، ولأن المُخَافَتَةَ لنفسه والجَهْر منفعة له ولغيره، وخيرُ النَّاس من انْتفَعَ النَّاسُ به وانتفع بكلامِ اللهِ. وبالجُمْلَةِ: إنّه من حفظ جوارحه وقلبه عن الرِّياء، فقد عمل بالقرآن.

المسألة السّادسة:

قال علماؤنا: وفي القراءة بعد ذلك سبع مقامات:

منها: التّرتيلُ الّذي أَمَرَ به.

ومنها: حُسْنُ الصَّوت بالقرآن الّذي ندب إليه قوله: "زيَّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ" (٢)، وقولُه: "لَيسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرآن" (٣) أي يُحَسِّن به صوته، وهو أحد الأقوال المرويّة، فيه.

ومنها: أنّ يُسْمِع أُذُنَيْه ويُوقِظَ قلبه لتَدَبُّر (٤) الكلام، وتفهُّم (٥) المعاني، ولا يكون ذلك كلّه إلا في الجَهْر به.

ومنها: أنّ يطرد النّوم عنه برفع صَوْته.


(١) أخرجه مُطَوَّلًا -مع اختلاف في الألفاظ- الحارث بن أبي أسامة من حديث عبادة بن الصامت، كما في بغية الباحث للهيثمي (٧٣٠).
(٢) أخرجه عبد الرزّاق (٤١٧٦)، وابن أبي شيبة (٨٧٣٧)، وأحمد: ٤/ ٢٨٣، وأبو داود (١٤٦٨)، وابن ماجه (١٣٤٢) وغيرهم من حديث البراء بن عازب.
(٣) أخرجه البخاريّ (٧٥٢٧).
(٤) ف، جـ: "لتدبير" ولعل الصّواب ما أثبتناه.
(٥) ف، جـ: "لتفهيم" ولعلّ الصّواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>