للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل: أُنْزِلَتْ على لغة قريش.

وقال ابن عبّاس: أُنْزِلَتْ على كلِّ حيٍّ من أحياء العرب، واحتج قائل هذا بقَوْلِ عثمان: اكتبوه بلغة قريش، فإنّه أكثر ما نَزَلَ بلِسَانِهِمْ (١).

ورُوِي أنّه نَزَلَ بلسان الكعبَيْن: كعب بن عمرو وكعب (٢) بن لُؤَي.

وقيل: بلسان خزاعة.

وقال آخرون: هذه اللُّغات كلّها في مُضَر. واحتجوا بحديث عثمان: "أنْزِلَ القُراَنُ بِلِسَان مُضَر" (٣) وقالوا: جائزٌ أنّ يكون منها لقُرَيْش، وجائز أنّ يكون منها لكنانه، ومنها لأسْد، ومنها لهُذَيْل، ومنها لقَيْس، فهذه قبائل مُضَر (٤).

قال الإمام: وهذه الأقوال كلُّها مُختملَة التّأويل، قد طال التّنازع (٥) فيها بين العلماء، وليس فيها شيءٌ قاطعٌ يرفعُ الإِشكالَ.

والّذي (٦) يتحصَّل من هذه المسألة -على عِظَمِ الاختلاف فيها- أمران:

أمّا أحدهما: فسقوطُ جميع اللُّغات وجميع القراءات، إلَّا ما ثبتَ في المُصْحَفِ بإجماعٍ من الصّحابة، وأنّ ما كان أذِنَ فيه قبلَ ذلك ارْتَفَعَ وذَهَبَ. جاء حُذَيْفَةُ بن اليَمَانِ فقال: يا أمير المؤمنين، أَدْرِكِ النّاسَ قبلَ أنّ يَخْتَلِفُوا في القُرآنِ كما اختلفَ اليهودُ والنَّصارى في التوراة والإنجيل (٧) فأجمعتِ (٨) الصّحابةُ على ما في المُصْحَفِ وسقط ما وراءَهُ، وتمَّمَ اللهُ علينا هذه النعمة بما ضَمِنَ من حِفظِ كتابه للأُمَّة حين (٩) قال: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١٠) وذهبت كلُّ صحيفةٍ كانت في الأرض سواهُ، حتّى إنّ ابن مسعود كان قد كَرِهَ ذلك، وقال: يا أيّها النّاس، إنِّي غَالّ (١١) مصحفي، فمن استطاعَ


(١) أخرجه -مع اختلاف في الألفاظ- سعيد بن منصور في سننه (٤١٨)، وابن حبّان (٤٥٠٦).
(٢) أخرجه ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٨/ ٣٦ - ٣٧.
(٣) رواه ابن حبّان في الثّقات: ٧/ ٣٠٢ مرفوعًا، وأورده ابن حجر في تعجيل المنفعة: ١/ ٣٢٧.
(٤) هنا ينتهي النّقل من التمهيد.
(٥) غ: "النّزاع".
(٦) انظر الكلام التالي في القبس: ١/ ٤٠١ - ٤٠٢.
(٧) أخرجه البخاريّ (٤٩٨٧) من حديث أنس.
(٨) جـ: "فاجتمعت".
(٩) غ، جـ: "حتّى" والمثبت من القبس.
(١٠) الحجر: ٩.
(١١) غ، جـ: "غال على" والمثبت من القبس والمصادر.

<<  <  ج: ص:  >  >>