للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكم أنّ يغلّ مُصْحَفَه فَلْيَفْعَل فإنّ اللهَ يقول: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (١) فَمَا بَقِيَ على الأرض منها حرفٌ.

الثّاني: أنّ القراءة لكلِّ أحدٍ إنّما تكون بقَدْرِ استِطَاعَتِه، فمن كانت يَاؤُهُ جِيمًا، أو كَافُهُ شينًا، أو لاَمُهُ مِيمًا، فإنّه يجوز (٢) له أنّ يقرأ بذلك، وهذا هو المقدار الّذي تفتقوون إليه (٣) وما سواه فمستراحٌ منه.

نكتةٌ (٤):

فإن قيل: فما تقولون في القراءات السَّبْعِ الّتي أُلْفِيَت في الكتب؟

قلنا: إنّما أرسلَ أمير المؤمنين المَصَاحِفَ إلى الأمصار الخَمْسَة بعدَ أنّ كُتِبَتْ بلغة قريش؛ فإن القرآن إنّما نزلَ بلُغَتِهم، ثمّ أَذِنَ لكلِّ طائفةٍ من العَرَبِ أنّ تَقْرَأَ بلغتها على قَدْر استطاعتها، فلَمَّا صارتِ المصاحفُ في الآفاق غير مضبوطة بنقط ولا مُعْجَمَة بضَبْطٍ، قرأها النَّاسُ، فما أنَفَذُوه نَفَذَ، وما احتمل الوجهين طلبوا فيه السَّماعَ حتّى وجدوهُ. فلمّا أراد بعضُهُم أنّ يجمعَ ما شذَّ عن خَطّ المُصْحَفِ من الضَّبْطِ، جَمَعَهُ على سبعةِ أَوْجُهٍ، اقتداءً بقوله: "أُنْزِلَ القُرآنُ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" وليست هذه الرِّوايات بأصلِ في التَّعْيِينِ، بل ربّما خرجَ عنها ما هو مثلها أو فوقها، كحروف أبي جعفر المدني (٥) فإنّها فوق حروف عبد الله بن كثير المكِّي (٦)؛ لأنّه أشهر منه وأعلم وأقرأ وأمثاله من قُرَّاءِ الأمصار.

فإن قيل: وهل تُعَيِّنُونَ هذه الأحرف السَّبعة، أو حرفًا واحدًا منها؟

قيل: لا سبيلَ لنا إلى تعيينها من وَجْهٍ صحيحٍ؛ لأنّ الّذي ثبتَ من قوله: "سَبْعَة أَخرُفٍ" لم يتعيَّن، والمسألةُ مُشكِلَةٌ جدًّا، والكلامُ عليها طويلٌ عويصٌ (٧).


(١) آل عمران: ١٦١، وحديث ابن مسعود رواه الطيالسي (٤٠٥) / وانظر سير أعلام النّبلاء: ١/ ٤٨٧.
(٢) ف: "فإنّما يكون" جـ: "فإنّه يكون" والمثبت من القبس.
(٣) ف: "منه".
(٤) انظرها في القبس: ١/ ٤٠٢.
(٥) هو يزيد بن القعقاع (ت. ١٣١ وقيل غير ذلك) انظر أخباره في التاريخ الكبير: ٨/ ٣٥٣، والجرح والعديل: ٩/ ٢٨٣، ومعرفة القرّاء الكبار للذهبي: ١/ ١٧٢.
(٦) هو الإمام المشهور (ت. ١٢٢) انظر أخباره في الطبقات الكبرى: ٥/ ٤٨٤، والتاريخ الكبير: ٥/ ١٨١، ومعرفة القراء الكبار للذهيي: ١/ ١٩٧.
(٧) جـ: "عريض".

<<  <  ج: ص:  >  >>