للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث مالك (١)؛ أنّه بَلَغَهُ أنّ عبدَ اللهِ بن عمرَ مَكَثَ على سُورة البقَرَةِ ثَمَاني سِنِينَ يتَعَلَّمُهَا.

قال الإمام الحافظ (٢): أراد به مالك -رحمه الله- أنّ يبيِّنَ مسألةً اختلفَ النَّاسُ فيها، وهي إذا قرأ القارىءُ القرآنَ هل يقرأه كذلك ذكرًا باللِّسان دون تبيين (٣)، أم لا يرحل عن آيةٍ (٤) حتّى يحكمها ذِكْرًا ودِرايَةً؟ فَنَبَّه مالك على ذلك رحمةُ اللهِ عليه، فما (٥) كان أعظم فهمه للحدِيثِ والفِقْهِ؛ لأنّه نبَّهَ على ذلك بفعل ابن عمر في سُورَةِ البَقَرَة، وقد قال الله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} الآية (٦)، قالوا: هو أنّ يذكُرَ الحرفُ ويعلم معناه ويعمل به، فهذا هو حقّ التِّلاوة.

وقالوا أيضًا: إنّ قوله: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} (٧) معناه: ليس عندَهُم من القرآن إلا الذِّكْر خاصّة باللِّسان، وأعظم ما يَلْقَى به العبد رَبّه يوم القيامة قرآنٌ جمع ولم يعمل به. وقد قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، من حديث أبي هريرة: "يُؤْتَى بِالقَارِىءَ يومَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: ماذا عَمِلْتَ فيما عَلِمْتَ؟ فيقولُ: قرأتُ القرآنَ فِيكَ، فيقول اللهُ تعالى: كَذَبْتَ. وتقولُ الملائكة: كَذَبْتَ، بل أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ قارئ، فقد قِيلَ" (٨).

قال الشّيخ أبو عمر (٩): حديث ابن عمر (١٠) في مَكْثِهِ على سُورة البقرة يتدبَّرها، لِمَا فيها من الفقه والأحكام والمعاني مطابِقٌ لحديث ابن مسعود في قوله: إنَّكَ في زمانِ كثيرٌ فقهاؤُه. قليلٌ قُرَّاؤُهُ (١٠)؛ لأنّ ابنَ عمر كان يَتَدَبَّرُها ويتعلَّمُها بأَحْكامِها وفِقهِهَا.

قال الإمام والحافظ ابن العربي: سمعتُ بعض أشياخي يقول: إنّ في سُورةِ البقرة ألف أمرٍ، وألف خبرٍ، وألف نَهْيٍ، وألف حُكْمٍ، فلأجل ذلك أقامَ عليها ابن عمر ثمان سنين، واللهُ أعلم.


(١) في الموطّأ (٥٤٦) رواية يحيى.
(٢) انظر بعض هذا الشرح في القبس: ١/ ٤٠٤ - ٤٠٥.
(٣) في القبس: "دون تتبُّعٍ بالبيان".
(٤) جـ: "لا يدخل آية".
(٥) غ: "ما".
(٦) البقرة: ١٢١.
(٧) البقرة: ٧٨.
(٨) رواه مسلم (١٩٠٥)، وابن خزيمة (٢٤٨٢) من حديث أبي هريرة.
(٩) في الاستذكار: ٨/ ٩١ بنحوه.
(١٠) في الموطّأ (٥٤٦) رواية يحيى. (١١) أخرجه مالك في الموطّأ (٤٧٩) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>