للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونهم كُفَّارًا لكان الذَّمَّ لاحقًا بهم، فعلمنا (١) أنَّ الذَّمَّ لم يختصّ بالسجود (٢).

ويُؤَيِّد هذا قولُه تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} (٣) ولم يقع الوعيد إلَّا على التّكذيب. وقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (٤) هو أمرٌ له بالصَّلاةِ وتعليمٌ له، وقد تقدَّمَ أنَّ (٥) سجودَ القرآن إنّما هو بلفظ الخبر، وما جاء بلفظ الأمر إنّما هو تعليم له بالصّلاة وأمرّ له بالسُّجودِ فيها.

٢ - والحُجَّةُ الثّانية لنا- هو الّذي عوَّلَ عليه علماؤنا-: حديث عمر الثّابت (٦) حين قال: "إنّ اللهَ لَم يَكْتُبهَا عَلَيْنَا" وهو على المِنْبَر، وسجدَ النَّاسُ معه.

وقوله (٧): "إلَّا أنّ نَشَاءَ" هي (٨) عند أشياخنا على النَّدْبِ والتَّرغيب، وفي فعله دليلٌ أنَّ على العلماء أنَّ يبيِّنُوا كيفَ لزوم السُّنَن إنّ كانت على العَزْمِ أو النَّدْبِ أوِ الإباحة، وكان عمر -رضي الله عنه- من أشدِّ النّاس تعليمًا للمسلمين، كما تأوّل له رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في الرُّؤيا أنّه استحالت الذُّنوب بيده فتأوّله (٩) العلم. ألَّا ترى قول عمر حين رأى أنّه قد بلغَ من تعليم النَّاس إلى غاية رَضِيَها، قال: قد سُنَّتْ لَكُمُ السُّنَنُ، وفُرِضَتْ لَكُمُ الفرائِضُ وتُرِكْتُم على الواضِحَةِ (١٠)، فأَعْلَمَنَا بهذا القول أنّه يجبُ أنَّ يُفصل بين (١١) السُّنَن والفرائض.

فمالك (١٢) - رحمه الله - يرى السُّجود واجبٌ وجوبَ السُّنَنِ لا وُجوبَ الفَرائِضِ الّتي من تَرَكَها أَثِمَ. وأبو حنيفة يقول: هو واجبٌ وجوبَ الأَمْرِ، ومن تَرَكَهُ أَثِمَ. وقول مالكٌ هو الصّحيح؛ إذ ليس في وجوبِ ذلك عندَهُ نصٌّ في القرآن ولا في


(١) جـ: "فقلنا".
(٢) غ: "السجود"، جـ: "للسجود" ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٣) الانشقاق: ٢٢.
(٤) العلق: ١٩، وانظر أحكام القرآن: ٤/ ١٩٦٠.
(٥) غ: "لأنّ".
(٦) في الموطّأ (٥٥١) رواية يحيى.
(٧) أي قول عمر في حديث الموطّأ السّابِقِ ذِكْرُهُ.
(٨) جـ: "فهي".
(٩) في شرح ابن بطّال: "فتأول له".
(١٠) أخرجه مالكٌ في الموطّأ (٢٣٨٣) رواية يحيى.
(١١) في النسختين: "تفصل بعض" والمثبت من شرح ابن بطّال.
(١٢) من هنا إلى آخر الفقرة مقتبس من المقدِّمات الممهدات: ٢/ ١٩٢ - ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>