للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ثبتَ هذا، فالأعمالُ الّتي تَصْدُرُ عن الخَلْقِ فإنّها باقيةٌ حتّى يقع عليها (١) الثّواب، فهي (٢) باقياتٌ صالحاتٌ حسنات؛ لأنّه قال: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} الآية (٣)، يعني: خيرٌ من المال والنَّفس، وخير أَمَلِ فيما يستقبلون إرادته، واقتضى بهذا العموم أنّ الباقيات الصّالحات كلّ عملٍ صالحٍ، وهو الّذي وعد بالثَّواب عليه. وهذا العمل قد اختلف فيه العلماء -أي ما هو-؟

فقيل: إنّه ما وَرَدَ في الحديث (٤).

وقيل: إنّها الصّلوات الخمس، قاله ابن عبّاس وغيره، وبه أقولُ وإليه أميلُ، وليس في الباب شيءٌ يقطعُ به أنّها هي أكثر من الصّلوات.

تكملة:

أمّا قولُه (٥): "لَا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ" فقد فسَّرَهُ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لأبي موسى الأشعريّ. قال له: لا حول عن معصية الله إلّا بعِصمَةِ الله. ولا قوة على طاعة الله إلّا بتوفيق الله. وخُرِّجَ هذا الحديث في "مسند الحارث بن أبي أسامة" (٦).

الحديث الخاص: حديث أبي الدرداء (٧)؟ قوله: "ألاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ لَكُمْ، وأَرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عند مَليكِكُمْ." الحديث إلى آخره.

الأصول (٨):

في هذا الحديث: أنّ ذِكْرَ الله تعالى أفضل الأعمال، وأنّه أفضل من الجهاد، والمفاضلةُ بين الأعمال قد بيَّنَّا تحقيقها في غير موضعٍ، كقوله: "مَنْ قَرَا القُرآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حرف عشر حسنات" وقولُه: "مَنْ قَرَأَ القُرآنَ وَأَعْرَبَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عِشْرُونَ حَسَنَة" (٩)، ومثلُ ذلك كثيرٌ، وقد تفضلُ الأعمالُ الأعمالَ بذواتها، كالتوحيد فإنّه


(١) غ: "بها".
(٢) في الأحكام: " ... تصدر عن الخلق من حسن وقبيح لا بقاء لها ولا تجدّد بعد فناء الخلق، فهي".
(٣) الكهف: ٤٦.
(٤) أي حديث سعيد بن المسيَّب في الموطّأ (٥٦٣) رواية يحيى.
(٥) في حديث الموطّأ السابق ذِكْرُهُ.
(٦) لم نجده في "بغية الباحث عن زواند مسند الحارث" للهيثمي.
(٧) في الموطّأ (٥٦٤) رواية يحيى.
(٨) انظر كلامه في الأصول في القبس: ٢/ ٤٠٩.
(٩) أخرجه بنحوه ابن أبي شيبة (٢٩٩٣٢) من حديث عبد الله بن مسعود موقوفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>