للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: أدخلني في الشَّفَاعةِ للمُذْنِبِينَ، وأَخْرِجْنِي منها بالعِزِّ والكرامة للمُوَحِّدِينَ. قال: فأجيبت دعوته، وهذا هو الّذي عليه جمهور العلماء؟ أنّ دعوته المخبوءة لأُمَّتِهِ شفاعته (١) لأُمَّتِهِ؟ واللهُ أعلمُ.

الفائدة الثّانية (٢):

قال الإمام: "الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَة" (٣) ولا أَحَدَ أحبّ من الله في السُؤال إليه (٤)، والدُّعاء والتضَرُّع لَدَيه؟ وقد اختلفَ شيوخُ الصُّوفية أيّهما أفضل، الدُّعاء أم الذِّكْر المُجَرَّد؟ فمنهم من قال؟ الذِّكْرُ المُجَرَّد أفضل، لقوله: "مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عن مسْأَلَتِي أعطيته أفضل ما أُعْطِي السَّائِلِينَ" (٥)؟ وقد قيل (٦) في كَرَمِ المخلوقِينَ:

إذا أثْنى عَلَيْكَ المرءُ يَوْمَا ... كَفَاهُ (٧) مِن تَعَرُضِّهِ الثَنَاءُ

فكيف بِرَبِّ العالَمِينَ؟ ومع هذا فإن البارئ تعالى يحبُّ السُّؤالَ ويُعْطِي عليه جزيلَ النَّوَالِ. وقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (٨)، وقوله في الحديث: "هَلْ مِنْ داعٍ فأستَجيبَ لَه" (٩) وقال لنَبِيِّهِ صلّى الله عليه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (١٠).

قال الإمام: ومنَ الغريبِ في ذلك؛ أنّ الدُّعاءَ المأثورَ عن رسولِ الله - صلّى الله عليه وسلم - أكثر من الذِّكر المأثورِ عنه.

وقوله: "مَنْ شَغَلَهُ ذِكرِي عَنْ مَسْأَلَتِي" معناهُ أنَّ العبدَ ليس في كلِّ حاله يدعو تارةً يدعو (١١)، وتارةً يذكُر، وإذا دعاهُ استجابَ له، وإذا ذَكَرَهُ أَعطاهُ أفضل ما سأَلَه، فهو الكريمُ في الحالَتَيْنِ.


(١) جـ: "شفاعة" وهي ساقطة من غ، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٢) انظر القسم الأوّل من هذه الفائدة في القبس: ٢/ ٤١١.
(٣) أخرجه التّرمذيّ (٣٣٧١) من حديث أَنَس، وقد سبق تخريجه.
(٤) في القبس: "ولا أحد أحبّ إليه السؤال من الله".
(٥) أخرجه الدّارمي (٣٣٥٦)، والترمذي (٢٩٢٦) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٦) القائل هو أُمَيَّة بن أبي الصَّلت الثّقفي، والبيتُ في ديوانه المجموع: ٣٣٥.
(٧) غ، جـ: "كفاك" والمثبت من القبس والديوان.
(٨) غافر:٦٠.
(٩) أخرجه مسلم (٧٥٨) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.
(١٠) البقرة: ١٨٦.
(١١) "يدعو" زيادة من القبس: ٧/ ١٩٩ (ط. هجر)

<<  <  ج: ص:  >  >>