للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: هذا صحيحٌ، ولكن ليس فيه لِبِدْعَتِكُمْ دليلٌ.

قالوا: فما تقولون في هذا: إنّ الأُمَّةَ قد أَجْمَعَتْ (١) على أنّهم يرفعون أيديهم إلى السّماء في الدُّعاء، ولولا ما قال موسى: إلهي في السَّماء لفرعون، ما قال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} (٢).

قلنا: كَذبتُم على مُوسَى، ما قالها قَطُّ، ومن يُوصِلكم إليه؟ إنّما أنتم أتباع فِرْعَون الّذين اعتقدوا أنّ البارئ تعالى في جِهَةٍ، فأراد أنّ يَرْقَى إليه بِسُلَّمٍ، فيهنئكم أنّكم أتباع فرعون وأنَّه إمامكم.

قالوا: وهذا أُمَيَّة بن أبي الصَّلت يقول (٣):

فسُبْحَانَ مَنْ لَا يَقْدِرُ الخَلْقُ قَدْرَهُ ... مَنْ هُوَ فَوْقَ العَرْشِ فَرْدٌ مَوحَّدُ

ملِيكٌ عَلى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ ... لِعزَّتِهِ تَعْنُو الوُجُوهُ وتَسْجدُ

وأُمَيَّة بن أبي الصَّلت قد قرأَ التَّورَاةَ والإنْجِيلَ والزَّبُور (٤).

قلنا: هذا الّذي يُشْبِه جهلكم أنّ تحتجَّوا بقول فِرْعَون وقول مُلْحِدٍ جاهلي، وتُحِيلُونَ به على التَّوْراة والإنجيل والزّبور والفُرْقَان والكتب المبدَّلَة (٥) المحرَّفَة، واليهودُ هم أعظم خَلْقِ الله كُفْرًا، وأعظمهم تشبيهًا للهِ بالخَلْقِ.

تنزيه (٦):

قال الإمام: والّذي يجب أنّ يُعْتَقَد في ذلك: أنّ الله كان ولا شيءَ معه، ثمَّ خَلَقَ المخلوقات من العَرشِ إِلى الفَرْشِ، فلم يتغيَّر (٧)، ولا حدثت له جِهَة منها، ولا كان له مكان فيها، فإنّه لا يَحُول ولا يَزُول، قُدُّوسٌ لا يحولُ ولا يتغَيَّر.


(١) جـ: "اجتمعت".
(٢) غافر: ٣٦.
(٣) انظر دالية أُمَيَّة بن أبي الصلت: ٢٣٢ تحقيق محمّد عزير شمس ضمن كتابه رواح التراث (ط. الدار السلفية- بومباي بالهند).
(٤) انظر أخبار أمَيَّة في المعارف لابن قتيبة: ٦٠، والشعر والشعراء: ٢٧٩، وطبقات فحول الشعراء: ٢٢٠ - ٢٢٤.
(٥) غ: "المنزلة".
(٦) انظره في عارضة الأحوذي: ٢/ ٢٣٥ - ٢٣٧.
(٧) في العارضة: "يتعيَّن".

<<  <  ج: ص:  >  >>