للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللاستواء في كلامِ العَرَبِ خمسة عشر وجهًا ما بين حقيقةٍ ومجازٍ، منها ما يجوزُ على الله فيكون معنى الآية، ومنها ما لا يجوز بحالٍ، وهو إذا كان الاستواء بمعنى التّمكين والاستقرار والاتِّصال والمُجَاوَرَةِ (١)، فإنَّ شيئًا من ذلك لا يجوزُ على البارى تعالى، ولا تضرب له الأمثال في المخلوقات إلَّا كما قال مالك وغيره من العلماء: ان الاستواء معلومٌ، يعني أنّه قد وَرَدَ في اللُّغَةِ، واَلْكَيْفيَّةَ الّتي أراد اللهُ ممّا يجوزُ عليه من معاني الاستواء مجهولةٌ، فمن يقدر أنّ يعيِّنَها؟ والسُّؤالُ عنه بِدْعَة؛ لأنّ الاشتغال به قد ينشىء طلبًا للمُتَشَابِه (٢) ابتغاءَ الفتنة. فيتحصَّل لك من كلام إمام المسلمين مالك؛ أنّ الاستواء معلومٌ، وأنّ ما لا يجوز على الله منه غير معقولٍ وغير متعيَّنٍ (٣). وقد حَصَلَ لك التَّوحيد والإيمان بِنَفْيِ التَّشَبيه والمُحَالِ على اللهِ، فلا يلزمك سواهُ.

وأمّا قوله: "يَنْزِل" و "يَجيء" و"يَأْتِي" وما أشبه ذلك من الألفاظ الّتي لا تجوز على الله في ذاته معانيها، فإنّها ترجع إلى أفعاله، وههنا نكتة، وهي أنّ أفعالَكَ أيّها العبدُ إنّما هي في ذَاتِكَ، وأَفعالُ اللهِ لا يَجوزُ أنّ تكونَ في ذَاتِهِ ولا ترجع إليه، وإنّما تكونُ في مخلوقاتِهِ فهذا سَمِعْتَ أنّ الله يفعلُ كذا، فمعناه في المخلوقات لا في الذَّاتِ، وقد بَيَّنَ ذلك الأَوزاعيّ حين سُئِلَ عن هذا الحديث، فقال: يَفْعَلُ اللهُ ما يَشَاء. وأمّا أنّ يعلَم أو يعتقدَ أنّ اللهَ لا يُتَوَهَّم على صِفَةٍ من المخلوقات (٤)، ولا يُشْبِه شيئًا من المخلوقات، ولا يدخل بابًا (٥) من التَّأويلات.

قالوا: نقول: ينزلُ ربُّنا ولا نكَيِّف.

قلنا: معاذَ الله أنّ نقول ذلك، إنّما نقول كما علَّمَنَا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، وكما علِمْنَا من العربيّة الّتي نَزَلَ بها القرآنُ وتكَلَّمَ بها رسُولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -، قال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - (٦):


(١) في العارضة: "أو المحاذاة".
(٢) في العارضة: "الاشتغال به وقد تبيّن طلب التّشابه".
(٣) زاد في العارضة: "وما يستحيل عليه هو منزَّهٌ عنه، وتعيَّنَ المراد بما لا يجوز عليه لا فائدة لك فيه إذ قد حصل ... ".
(٤) جـ: "المحدثات".
(٥) غ، جـ: "ولا مدخل باب" والمثبت من العارضة.
(٦) في الحديث القدسي الّذي أخرجه مسلم (٢٥٦٩) من حديث أبي هريرة، مع اختلاف في اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>