للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وقالَ بِيَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ" إشارة بيده، وسمَّاهُ قَوْلًا؛ لأنّ الكلامَ هو المعنى القائم بالنَّفْسِ، فتارةً يُعَبَّر عنه باللَّفْظِ، وتارةً بالإشَارَةِ وتارةً بالكتابَةِ، فسمَّى ذلك كلّه قولًا (١)؛ لأنّه عبارة عنه (٢). وإنّما نَهَاهُ لأجل مخالفة السُّنَّة؛ لأنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُشِيرَ بإصبع واحدٍ. ومن السُّنَّةِ أنّ يدعُوَ مبسوط الكَفَّيْن. والإشارة أيضًا بإصبعَيْن لا معنى لها؛ لأنّ قوله: يا الله (٣)، بإصبَعٍ واحدِ يشير إلى أنّ اللهَ واحدٌ. فإذا ثبت هذا، فالدُّعاءُ إلى فَوْق وَرَفْع اليدَينِ إلى فوق فيه لعلمائنا أربعة أقوال، يجوزُ اعتقاد الثّلاثة ويسقط الرّابع:

أحدهما: أنّ يعتقدَ أنّ الدُّعاءَ الّذي يدعوهُ إنَّمَا هو إلى جِهَةٍ فيها الله، وهو جهة فَوْق، وهذا لا يجوزُ على البارئ.

الثّاني: أنّ اللهَ جعلَ الرِّزقَ وجميعَ الأرزاقِ في السَّماءِ الدُّنيا، كالخزائن والمطر، والإنسان من جِبِلَّتِهِ وعادَتِهِ أنّ يَدْعو ويرفع يدَيْهِ إلى جهة الرِّزقِ.

الثّالث: أنّ يعتقدَ أنّ الله تعالى رفيعٌ عظيمٌ، فيعتقدُهُ في أرفع رُتْبَةٍ ومَنْزِلَةٍ، فلذلك نزَّهَهُ عن جِهَةِ أسفَل، ويدعوهُ إلى جِهَةِ فَوْق.

الرّابع: أنّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعاءِ.

فإن قيل: وكيف يكون هذَا والقِبْلَةُ مأخوذة من المُقَابَلَةِ وهو المحاذاة؟

قلنا: بل هو بمعنى الإقبال، وإنّما سُمِّيَت قِبْلَة لأنَّ اللهَ تعالى يتقَبَّل صلاةَ من صَلَّى إليها وتَوَجَّهَ نَحْوَها، كأنّها فِعْلَة، مِنْ قَبلَ قِبْلَةً وقَبُولًا، كما يقول: جَلَسَ يَجْلِسُ جلْسَةً وجُلُوسًا، وقَعَد يَقْعُدُ قِعْدَةً وقُعُودًا.

الحديثُ الثّاني:

مالك (٤)، عن يحيى بن سعيد؛ أنَّ سعيدَ بن المُسَيَّبِ كان يقولُ: إنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

ورُوِيَ في معناه وأصّح منه وأَوْلَى، قول النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "إذا ماتَ المرءُ، انْقَطَعَ


(١) في المنتقى: "كلامًا وقولًا".
(٢) غ: "وهنا ينتهي النقل من المنتقى".
(٣) جـ: "قولك يا لله".
(٤) في الموطّأ (٥٧٨) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>