للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول (١):

فإن قيل: هذا الحديث مخالفٌ لظاهِرِ القرآن، قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٢).

قلنا: بل (٣) هو موافق له، قال الله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} الآية (٤).

ووجه الحكمة فيه والجمع بينه وبينه: أنّ كلَّ معصيةٍ اختصَّت بصاحِبِها ولم تتعَدَّهُ، فوِزْرُها مقصورٌ عليه، وكلّما تَعَدَّتْهُ فإنّه يتعدَّى، والتَّعَدِّي يكونُ بوجهين: يكون بالفعل نَفْسِهِ، ويكون بتعليم الجاهل وتنبيه الغافل. والتعليم من أعظم أنواع التَّعدِّي، وقد قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -:"مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ إلَّا وعَلَى ابنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ منها" لأنّه أوَّل من سَنَّ القَتلَ (٥). ويشهدُ له قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} الآية (٦)، وقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} الآية (٧).

الحديث الخامس:

مالك (٨)؛ أنّه بَلَغَهُ أنّ أبا الدَّرْدَاءِ كان يقومُ من جَوفِ اللَّيْلِ، فيقول: نَامَتِ العُيُونُ، وغَارَتِ النُّجُومُ، وأَنْتَ الحَيُّ القَيُّومُ.

الفوائد المنثورة في هذا الحديث:

وهي خمس فوائد:

الفائدةُ الأولى:

قوله: "كان يقومُ من جَوفِ اللَّيْلِ" يريدُ للتَّهَجُّدِ وذِكْرِ اللهِ تعالى، فكان يشعر نفسه بهذا النَّظَر في صفاته الّتي يختصُّ بها، وأنّه منفردٌ بها دونَ غَيْرِه ممَّن توجد فيه صفات الحدوث، وذلك أنّ عيون الخَلْقِ في ذلك الوقت نائمةٌ، والنُّجومَ الّتي كانت


(١) انظر كلامه في الأصول في الفبس: ٢/ ٤٢٠ - ٤٢٦.
(٢) الأنعام: ١٦٤.
(٣) "بل" زيادة من القبس.
(٤) العنكبوت: ١٣.
(٥) أخرجه البخاريّ (٣٣٣٧)، ومسلم (١٦٧٧) من حديث ابن مسعود.
(٦) النِّساء: ٨٥.
(٧) العنكبوت: ٦٣.
(٨) في الموطّأ (٥٨٣) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>