للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالعة غائرة، والنّوم في العيون، والغَوْر في النَّجُومِ دليلٌ على الحُدوثِ، وبذلك استدلَّ إبراهيم الخليل عليه السّلام على حدوثِ الكواكب، فقال: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (١).

وكذلك ينبغي لجميع المُتَعَبِّدِينَ إذا قاموا إلى أورادهم أنّ يَقْتَدُوا بفِعَال الأنبياء، والصّحابة والتّابعين.

وللنَّومِ والقِيَامِ لصلاةِ اللَّيل آدابٌ كثيرةٌ:

فمنها: أنّ يبيت على طهارةٍ، وإعداد السَّواكِ عند رأسه، وإعداد الطَّهُور. ويَنْوِي القيام للعبادة عند التَّيَقُّظ، وكلّما انْتَبَه اسْتَاكَ، كما فعل بعض السَّلَف، رُويَ عن رسولِ الله - صلّى الله عليه وسلم - أنّه كان يَسْتَاكُ في اللَّيْلِ مِرَارًا عند كلِّ نَوْمٍ وعِنْدَ انْتِبَاهِهِ (٢). ومنها: أنّ يكتب وَصيَّته خوف موت الفَجْأةِ.

ومنها: أنّ ينامَ تَائبًا من كلِّ ذنبٍ، سليمَ القلبِ لجميع المسلمين، قال - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وهو يَنوِي أَلَّا يظلم أحدًا، ولا يحقد على أحدٍ، غفرَ اللهُ له ما اجترمَ" (٣).

ومنها: أَلَّا يتنعَّمَ بتمهيد الفُرُش (٤) النّاعمة، بل يترك ذلك، وكان بعضُ السَّلَفِ يتركُ التَّمْهِيدَ ويَرَى ذلك تَكَلُّفًا للنَّومِ، وكان أهل الصُّفَّةِ لا يجعلون بينهم وبين الأرض حاجِزًا.

ويجتهد (٥) أنّ يكون الغالب عليه الذِّكر والتَّفَكُر، كما فعل أبو الدَّرْدَاء؛ يقول: "نَامَتِ العُيُونُ، وَغَارَتِ النُّجُومُ " في هذا الحديث.

الفائدةُ الثّانية (٦):

كان أبو الدَّرْدَاء يقول: "نَامَتِ العُيُونُ، وغَارَتِ النُّجُومُ، وأَنتَ الحَيُّ القَيُّومُ" وذلك أنّ اللهَ تعالى أَذِنَ في الدُّعَاءِ، وعَلَّمَ الدُّعَاءَ في كتابه لخَلِيقَتِهِ، وعَلَّمَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -


(١) الأنعام: ٧٦.
(٢) رواه بمعناه مسلم (٢٥٦) من حديث ابن عبّاس.
(٣) رواه النسائي بن الكبرى (١٤٥٩)، وابن ماجه (١٣٤٤)، وابن خزيمة (١١٧٢)، والحاكم: ١/ ٤٥٥ (ط. عطا)، والبيهقي: ٣/ ١٥ من حديث أبي الدرداء. وحسَّنَ إسناده المنذري في الترغيب والترهيب: ١/ ٢٨.
(٤) غ، جـ: " الفراش، ولعلّ الصّواب ما أثبتناه.
(٥) ويمكن أنّ تقرأ: "وليجتهد".
(٦) انظرها في القبس: ٢/ ٤٢١ - ٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>