للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محالةَ، لقوله: {فَادْعُوهُ بِهَا} (١). والدُّعَاءُ لا يجوزُ إلَّا بعد المعرفة بالمَدعُوّ فيها، فإذا عرفَ ربه دَعَا بصفاتِ التَّعظيمِ، وذلك عبارة الرغبة لله، يرجُو وَجْهَ الرَّغبة لِمَا يليق (٢) بها من الأسماء، كسؤالِ الرَّحْمَةِ بالرّحيم، والكفَايَة بالكافِي، والهِبَة بالوَهّاب، وفي التَّوبة بالتَّوَّاب، وفي العِزِّ بالعَزِيز، وما في ذلك من المعاني على التّرتيبِ.

تنبيه:

وذلك أنّ البارئ تعالى تعرَّفَ إلى أوليائه بصفاته وأسمائه، إذ لا يمكن أنّ يُعرف إلا بذلك، فبيّن لهم الواجب والجائز من ذلك، وعرَّفَهُم بما يستحيل عليه، وذلك أنّ العقول محجوبةٌ عن جَلَالِهِ، ممنوعةٌ عن إدراكه، فَأذِنَ اللهُ تعالى بالأسماء عبارة عن نفسه، وأَذِنَ لهم فيها، وجعلها طريقًا إلى معرفته، وسبيلًا في الرّغبة والطَّلَبِ، فلذلك اقْتَصَرَ العلماءُ على ما أَذِنَ لهم فيه ولم يتعدّوا إلى غيره.

تنبيه ثانٍ:

فإن قيل: ما معنى الحديث الّذي ورد في الاسم الأعظم، هل يعرفه أحدٌ ويدعو به؟

قلنا: قد يُعَرِّفه اللهُ إلى من يشاء من أوليائه، وذلك ما رواه بُرَيدَة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه سمع رَجُلًا يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ بأنّك الله الّذي لا إله إلَّا أنتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الّذي لم يَلِدْ ولم يُولَد ولم يكن له كُفوًا أَحَدٌ، فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لقد دَعَا اللهَ باسْمِهِ الأَعْظَمِ الّذي إذًا دُعِيَ به أجابَ، وإذا سُئِلَ به أَعْطَى" (٣).

وَرَوَى أنس بن مالك قال: دخل النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - المسجد ورَجُلٌ يُصَلِّي، أو قَدْ صَلَّى، وهو يَدْعُو وَلُقولُ في دُعائه: اللَّهُمَّ لا إله إلّا أنتَ المنان (٤)، بَدِيعُ السّمواتِ والأرضِ، ذو الجَلاَلِ والإكرَامِ، فقال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "أَتَدْرُونَ بمَا دَعَا اللهَ؟ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الّذي إذا دُعِيَ به أجابَ وإذا سُئِلَ بِه أَعْطَى" (٥).


(١) الأعراف: ١٨٠.
(٢) غ:"تبيين".
(٣) أخرجه أحمد: ٥/ ٣٤٩، ٣٥٠، ٣٦٠، وأبو داود (١٤٩٣)، وابن ماجه (٣٨٥٧)، وابن حبّان (٨٩١)، والحاكم: ١/ ٥٠٤.
(٤) غ، جـ: "الجبار" والمثبت من الأمد الأقصى: ٦/ ب، ومصادر الحديث.
(٥) أخرجه التّرمذيّ (٣٥٤٤) من طريق عاصم الأحول وثابت، عن أنس، كما أخرجه أحمد: ٣/ ١٥٨، وأبو داود (١٤٩٥)، والنسائي: ٣/ ١٥٨، وابن حبّان (٨٩٣) من طريق حفص ابن أخي أنس عن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>