للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال جماعة أهل التَّفسيرِ (١): رُوِيَ أنَّه حَمَلَهُ على عُنُقِهِ سنةً يَدُورُ به لا يَدْرِي ما يصنعُ به، إلى أنّ بعث اللهُ الغرابَ تنبيهًا (٢) له على دَفْنِ أخيهِ، ففعلَ ذلك، وكان سنَّة له ولمن بعدَهُ إلى يوم القيامة، أَنْعَمَ اللهُ بها على عباده وعَدَّدَ النِّعمة بها عليهم في غير ما آية من كتابه، فقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (٣) وقال: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} (٤)، وقال جلَّ جلالُه: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} الآية إلى قوله: {أُخْرَى} (٥).

والدَّفْنُ أيضًا من فرائضِ الكِفَايَةِ.

مزيد بيان:

قوله: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} (٦) فيه دليلٌ على قياس الشَّبَهِ؛ لأنّه لم يَدْرِ كيف يفعل في المواراة.

قال علماؤنا: بعثَ اللهُ الغُرَابَيْنِ فاقتَتَلا، فقتلَ أحدهما الآخر.

قيل: إنّ الغرابَ إنّما بُعِثَ ليُرِي ابنَ آدم كيفيّةَ المُوَارَاةِ وكيف تُسْتَر العورة.

وقيل: لمَّا نَتَنَ صار عَوْرَة كلّه، وسمِّيت سَوْءَة لأنّها تَسوءُ النَّاظر لها، ودَفْنُ الميِّتِ سترٌ له.

وقيل: لئلّا يؤذي الأحياء بجيفته.

وقيل: إنّهما كانا مَلَكَيْن في صورة الغُراب.

وقال ابن مسعود: كانا غُرابَيْنِ أخَوين (٧).

قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (٨).

قال الإمام: ومن الغريب أنّ الله أخبر عنه أنّه ندم وأنّه في النّار، وقال


(١) ذكر المؤلِّف في أحكام القرآن: ٢/ ٥٨٩ أنّ هذه الرِّواية هي من رواية ابن القاسم عن مالك.
(٢) في المقدِّمات: "مُنبِّهًا" وهذه الرِّواية أخرجها الطّبريّ في تفسيره: ٨/ ٣٤١ (ط. هجر).
(٣) المرسلات: ٢٥ - ٢٦.
(٤) عبس: ٢١.
(٥) طه:٢٠.
(٦) المائدة: ٣١.
(٧) أخرجه الطّبريّ في تفسيره: ٨/ ٣٣٧ (ط. هجر).
(٨) المائدة: ٣١، وانظر أحكام القرآن: ٢/ ٥٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>