للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوّل: أنّ النّاس لم يتّفقُوا على مَوْتِهِ، فَكيفَ يُدْفَن رَجُلٌ اخْتُلِفَ فيه، قال واحد: مات، وقال آخر: لم يمت، فَؤُخِّرَ لأجل ذلك.

الثّاني: أنّه إنّما أخِّر دَفْنُه لأنَّه لم يعلم أين يدفن؟ قال قوم: يُدْفَن بالبقيعِ. وقال قوم: في المسجد. وقال قوم: يحبس حتّى يُحمَل إلى ابنه إبراهيم إذا افْتُتِحَت خيبر. قال العالِمُ الأكبر أبو بكر الصِّدَّيق: -رضي الله عنه-: سمعتُه يقول: "مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطٌّ إلَّا حَيثُ يَمُوتُ" (١).

الثّالث: أنّهم اشتغلوا في الخلاف الّذي وقع بين المهاجرين والأنصار في البَيْعَةِ، فَنَظَرُوا فيها حتَّى تَمَّ الأمرُ وانتظَمَ الشَّمْلُ، واستوثَقَتِ الحال، واستقرَّتِ الإمامةُ في نِصَابِها، فرجعوا بعد ذلك إلى النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - فغسَّلُوه وكفَّنوهُ ودفَنوه (٢).

الفائدةُ الثّانية (٣):

اختلف العلّماءُ في الصّلاة عليه، هل صُلِّيَ عليه أم لا؟

فمنهم من قال: لم يصلِّ عليه أحدٌ، وإنّما وقفَ كلّ أحدٍ يَدْعُو؛ لأنّه كان أشرف من أَنْ يُصَلَّى عليه. وهذا ضعيفٌ، فإنَّ السُّنَّةَ تُقَامُ بالصلاة عليه في الجنازة، كما تقام بالصلاة عليه في الدُّعَاء، فنقول: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ" وذلدً منفعةٌ لنا.

وقيل: لم يصلِّ عليه أحدٌ؛ لأنّه لم يكن هنالك إمامٌ، وهذا ضعيفٌ، فإنّ الّذي كان يقيمُ بهم صلاة الفَريضة هو الّذي كان يؤمُّ بهم في الصَّلاة عليه.

وقيل: صلَّى عليه النّاس أفذاذًا؛ لأنّه كان آخر العهد به، فأرادوا أَنْ يأخذَ كلُّ أَحَدٍ (٤) بَرَكَته مقصودة (٥) دون أنّ يكون فيها تابعًا لغَيْرِهِ. فكان (٦) يأتي الرِّجال فيدعُون ويتَرَحَّمُونَ؛ لأنّه أفضل من كلِّ شهيد.


(١) أخرجه مالك بلاغًا في الموطّأ (٦٢٠) رواية يحيى. وأخرجه ابن ماجه (١٦٢٨) من حديث ابن عبّاس.
(٢) غ، جـ: "فدفنون وغسلوه وكفنوه" والمثبت من القبس.
(٣) انظر القسم الأوّل من هذه المسألة في القبس: ٢/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٤) غ: "واحدٍ".
(٥) ويمكن أنّ تقرأ: "مقصورة".
(٦) من هنا إلى آخر الفائدةُ مقتبس من المنتقى: ٢/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>