للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثّالثة (١):

قوله (٢): "عَلَى النَّاسِ" ثمّ بَيَّنَ فقال: "عَلَى كُلِّ حُرِّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىَ مِنَ المُسْلِمِينَ" فاقتضَى هذا العموم أنّه تجب على من يَقْدِر على الصَّاعِ وإنْ لم يكن عنده نصاب (٣)، وبه قال عامة الفقهاء بالأمصار.

وقال أبو حنيفة: لا تجب إلَّا على من يملك النِّصاب (٤)، أعني نصاب الزّكاة الأصلّيّة، والمسألة له قويّة، فإنَّ الفقير لا زكاةَ عليه، ولا أمرَ النّبيُّ صلّى الله عليه بأَخْذِها منه، وإنّما أَمَرَ بإعطائها إليه، وحديث ثَعْلَبَة لا يعارض الأحاديث الصِّحَاح ولا الأصول القويّة، وقد قال: "لا صدقة إلّا عن ظَهْرِ غِنىً (٥)، وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" (٦) وإذا لم يكن هذا (٧) غنيًّا فلا تلزمه الصّدقة.

المسألة الرّابعة (٨):

قوله: "حرٌّ أَوْ عَبْدٌ" هو عامٌّ في كلِّ عبدٍ كافرٍ أو مسلمٍ، وبه قال أبو حنيفة، وله العموم.

قلنا له: وقد قال - صلّى الله عليه وسلم -: "مِنَ المُسْلِمينَ" (٩).

قالوا: إنّما يكون المُطْلَقُ على إطلاقه والمقيَّد على تقييده، فتجب على العَبْدَيْن، فإنّ الحُكْمَ يجوز أنّ يتعلَّقَ بعِلَّتَيْنِ.

قلنا له: ولما قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "في أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ شَاةٌ" فكان هذا عامًّا، وكما


(١) انظرها في عارضة الأحوذي: ٣/ ١٨٢ - ١٨٣.
(٢) أي قول ابن عمر في حديث الموطّأ (٧٧٣) رواية يحيى.
(٣) يقول أبو بكر بن الجدّ في أحكام الزَّكاة: ٣٧/ ب- ٣٨/أ "تجب عند مالك - رحمه الله - على الفقير الّذي تحلّ له الصّدقة، وقال عبد الملك -ومثله لمالك في كتاب محمّد-: الحدُّ الّذي تجب به إن كان مِمَّن تحلّ له فلا تجب عليه. وقال ابن وهب عن مالكٌ: لا تجب حتّى يفضل له قوت خمسة عشر يومًا. وقال ابن حبيب: إذا كان عنده فضل عن قوت يومه أخرجها. وحكى العراقيون المالكيون أنّها تجب على من لا يضرّ به إخراجها لكدٍّ في عيشه وضيق في قوته".
(٤) انظر شرح فتحِ القدير: ٢/ ٢٨٥.
(٥) وفي رواية: "غَنِيّ".
(٦) أخرجه البخاريّ (١٤٢٦) من حديث أبي هريرة، بلفظ: "خير الصدقة ... ".
(٧) غ، جـ: "هو" والمثبت من العارضة.
(٨) انظرها في عارضة الأحوذي: ٣/ ١٨٣.
(٩) لأنّ زكاة الفطر طهارة، فلا تخرج إلَّا عن من من هو أهلها، والكافر نجسٌ نجاسة معنوية غير طاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>