للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثّالث - قيل: الفِطْر أفضل، للحديث المتقدِّم، وهو قوله: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ" ولقوله في "مسلم" (١) وغيره: أنّ هذه: "رَحْمَةٌ مِنَ الله فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ" فقد جعلَ الفِطْر حسنًا، والصّوم لا جُناح عليه فيه، وهذه إشارة إلى تفضيل الفِطْر على الصَّوم.

وأمّا من قال: هما سواء، فلِقَوْلهِ للَّذي سأله عن الصِّيام في السّفر: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ" (٢).

واحتجَّ المخالِفُ على أنّ الصَّوم لا يجوز في السَّفَرِ بالحديث المتقدِّم، وهو: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصومُوا في السَّفَرِ".

نكتةٌ أصوليّة:

قلنا: هو عمومٌ خرجَ على سَبَبٍ؛ فإن قلنا: يقصر على سببه كما ذهب إلى ذلك بعضى الأصوليِّينَ، لم يكن فيه حُجَّة.

وإن لم يقصر على سببه (٣)؟

قلنا: يحتمل أنّ يكون المراد به لمن كان على مِثْلِ حَالِ ذلك الرَّجُل، وبلغ (٤) به الصَّوم إلى مثل ذلك المبلغ، ويحمل على ذلك بالدَّليل الّذي قدَّمناهُ في فضيلة الصَّوم.

ويحتمل أنّ يريد أنّ ليس للصّوم فضيلة على الفِطْر تكون بِرًّا، فإن قال واحتج بقوله: "أُولئِكَ هُمُ الْعُصَاةُ" فلا يكون حُجَّة لمن يقول: إنّ الصّوم لا ينعقد في السَّفَرِ؛ لأنّه يحتمل أنّ يريد به أنّه قد شَقَّ عليهم الصّوم، حتّى (٥) صاروا مَنْهِيِّينَ عنه، واللهُ أعلمُ.


(١) الحديث (١١٢١) عن حمزة بن عمرو الأسلميّ.
(٢) أخرجه مالكٌ في الموطّأ (٨٠٩) رواية يحيى.
(٣) جـ: "سبب".
(٤) جـ: "أو بلغ".
(٥) غ: "حين".

<<  <  ج: ص:  >  >>