للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه من القوّة على الحرب، فكان الحرب سببًا لفطرهم؛ لا أنَّ السّفَر لا يصحّ فيه الصّوم، ولو كانت العلّة السَّفَر (١) لَمَا علّل بالتَّقَوِّي للعَدُوِّ، ومما يُبيِّنُ ذلك: أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - صام ولم يمتنع (٢) من الصَّوم لما علم من نَفْسِهِ القُوّة والجَلَد، وقد بلغ به العَطَش أَنْ صبَّ على رأسه الماء ليتقوَّى بذلك على صَوْمِهِ، وليخفِّف على نفسه بعض ألَمِ الحَرِّ، وهذا أصلٌ في استعمال ما يتقوَّى به الصَّائم على صومه ممّا لا يَقَعُ به فِطْر (٣) من التَّبَرُّدِ بالماء والمَضْمَضَةِ، وَيُكرَهُ لَهُ الانغماس في الماء لِئَلّا يبتلعه مع (٤) ضيق نفسه، فيفسد صومه، فإنْ فَعَلَ فَسَلِمَ فلا شيء عليه (٥).

قال الإمامُ: والحجّةُ القاطعةُ والقاضي على ذلك كلِّه الآية المُحْكَمَةُ بإجماعٍ، وهي قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (٦) فإن فيه تمام الأَجْرِ وحفظ الزّمان المعين والمبادرة بالعِبَادَةِ، ولأن الذِّمَّة تبرأ به، والدّليل على ذلك فعل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه أفطر لِعُذْرٍ.

وقال بعضُ النّاس: إنّما أفطر من أجل النّاس.

وقولُ آخرون: بل أفطر للمَشَقَّة ممّا لَحِقَهُ من العَطَشِ والحَرِّ، والجمعُ بين الحديثين أنّه أَفْطَرَ من كِلَيْهِما.

وقولُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ" يدلُّ أنَّه أوحي إليه بالفَتْحِ، لكن لم يدر إنّ كان عُنْوَةً أو صُلحًا.

وأدخلَ مالك الحديثَ على أنّ الصِّيام في السَّفَر أفضل، وهي مسألة خلافٍ اختلف العلّماء فيها على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل - قيل: إنّ الفِطْر والصّوم في السَّفَر سواء.

الثّاني - قيل: إنّ الصّوم أفضل، وهو مذهب مالكٌ، لِمَا رُوِيَ في ذلك من صَوْمِهِ هو وعبد الله بن رواحة، ولغير ذلك من الأحاديث، ولقوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (٧) فَعَمَّ الجميع.


(١) جـ: "في السَّفر"، غ: "للسفر" والمثبت من المنتقى.
(٢) في المنتقى: "يمنع".
(٣) غ: "خطر".
(٤) غ: "من".
(٥) هنا ينتهي النقل من المنتقى.
(٦) البقرة: ١٨٤.
(٧) البقرة: ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>