للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغَلَبَهُ عطشٌ أو غيره فأفطَرَ، فلا إِطعامَ عليه، ومن أفطر ابتداءً لِعِلمِهِ أنَ المشقة تلحقه. فأمّا الكبير فإنّه يستحبُّ له أنّ يطعم، ولا يجب ذلك عليه، وبه قال سحنون.

وقال أبو حنيفة (١) والشّافعيّ: يجب عليه الإطعام.

ودليلنا: أنّ هذا مفطرٌ بِعُذْرٍ موجودٍ فلم يلزمه إطعام كالمسافِرِ والمريضِ.

وأمّا قوله في المُسِنَّ بأنّه: "يفتدي" وهي:

المسألة الثّالثة (٢):

فإنّه يحتمل أنّ يفعل ذلك على وجهِ النَّدْبِ والاستحباب، وإن كان العلّماء قد اختلفوا في وجوب الفدْيَةِ عليه، وقد بَيَّنَّا في الحديث الصّحيح والقرآن المطلق، أنّ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} (٣) و "يطوقونه" (٤) كيفما قُرِىءَ منسوخٌ، على ما ثبت في الصّحيحِ، فليس على العاجز عن الصيامِ من الكِبَرِ فِدْيَة؛ لأنّه لم يتوجّه عليه خطاب فيفتدي ممّا لزمه.

المسألة الرّابعة (٥):

قال علماؤنا: في الحاملِ والشَّيخِ الهَرِمِ إذا أَضَرَّ بهما الجُوع والعَطَش فأَفْطَرا، لم تكن عليهما كفَّارة، فإنْ أفطرت الحاملُ والمُرْضِع، فعن مالك في ذلك روايتان.

وقال الشّافعيّ: تَفْتَدِي الحامل ولا تفتدي المُرْضِع؛ لأنّ الحامل تخافُ على نفسها والمُرْضِع تخاف على غيرها، فصارت المُرْضِع بمنزلة من يمرض مرضًا في رمضان فيضعف عن الصَّوم فلا فِدْيَةَ عليها. والصّحيح أنَّه ليس على المُرْضِعِ ولا على الحامِلِ فديةٌ، على أنّه قد روي عن ابن عبّاس أنّه قال: نسخ قولُه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} إِلَّا في الحامل والمُرْضِع (٦).

وأراد ابن عبّاس بقوله: "نسخ" خصّ، والتخصيصُ حكايته مذهب، والمذهب من الصَّاحبِ لا تقوم به حُجَّة، على ما تقدَّمَ بيانُه.


(١) انظر مختصر اختلاف العلّماء: ٢/ ١٨.
(٢) انظرها في القبس: ٢/ ٥٢٥.
(٣) البقرة: ١٨٤.
(٤) "أو يطيقونه" زيادة من القبس.
(٥) انظرها في القبس: ٢/ ٥٢٥ - ٥٢٦.
(٦) أخرجه أبو داود (٢٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>