للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدةُ الرّابعة (١):

قوله - صلّى الله عليه وسلم - (٢): "فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ" أي صَوْمِي يَمْنَعُنِي من مُجَاوَبَتِكَ لأَنِّي أصونُ صَوْمِي عن الخَنَا والزُّور. والمعنى في المُقَاتَلَة مُقَاتَلَتُه بِلسانه.

ورُوِيَ في الصَّحيحِ، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لَمْ يَدَع قَوْلَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليس للهِ بِهِ حاجةٌ في أَنْ يَدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ" (٣).

ولا يُعْلِن بقوله: إنِّي صائمٌ، لما فيه من الرِّيَاءِ واطِّلَاع النَّاس عليه؛ لأنّ الصَّومَ منَ العملِ الّذي لا يظهر، ولذلك يَجْزِي اللهُ الصائمَ أجره بغير حسابٍ.

قال الإمام: قولُه:"فَمَنْ شَاتَمَكَ فَلْتَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ" فيه وجهان من التَّأوِيل:

أحدهما: أنّ تقول ذلك في نَفسِكَ، فلا تجاوبه بشَتْمٍ ولا غيره.

الثّاني: أنّ تقولها مجاوبًا له: إنِّي صائمٌ فلا أُجَاوِبُكَ.

والأوّلُ اوَّلَى لنَفْيِ الرِّيَاءِ.

الفائدةُ الخامسة (٤):

قوله: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لله به حاجة ... " الحديث، معناه: الكراهيةُ والتَّحذير، كما جاء: "من شرب الخَمرَ فليشَقِّص الخنازير" (٥) أي يذبحها، وليس هذا على الأمر (٦) بشَقْصِ الخنازير، ولكنّه على تعظيم إثم (٧) شرب الخمر.

وكذلك مَنِ اغْتَابَ أو شَهِدَ زُورًا أو مُنْكَرًا لم يُؤمَر أنّ يدع صيامه، ولكنّه يُؤمَر باجْتِنَابِ ذلك، ليتمّ له أجر صيامه.

حديث ثانٍ: مالك (٨)، عن أبي الزِّنادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أنَّ رسولَ


(١) هذه الفائدةُ مقتبسة من الاستذكار: ١٠/ ٢٤٦ - ٢٤٧.
(٢) في حديث الموطَّأ (٨٦٠) رواية يحيى.
(٣) أخرجه البخاريّ (١٩٠٣).
(٤) هذه الفائدةُ مقتبسة من الاستذكار: ٢/ ٢٤٧.
(٥) أخرجه أبو داود (٣٤٨٩).
(٦) غ: "وليس هذا لمن"،جـ: "وهذا لم يؤمر أنّ" والمثبت من الاستذكار.
(٧) "إثم" زيادة من الاستذكار.
(٨) في الموطَّأ (٨٦١) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>