في الحديث الوارد في "المُوّطَّأ"، فيورد الحديث بسنده ... ويتبين أنه لم يشرح من أحاديث "المُوَطَّأ" إلَّا ما ورد فيه لفظٌ مُشْكِلٌ يسأل عنه؛ لذا لم يشمل الشرح أحاديث الموَطَّأ كلّها, ولا أغلبها؛ فإطلاق "تفسير غريب الموطَّأ" فيه تَجَوُّزٌ، لكن هذا منهجُ شُرَّاح المشكل والغريب دائما ... ومفهوم المشكل والغريب عند ابن حبيب أوسعُ مما يُظَنُّ، فهما يقصد بهما غريب أو مشكل اللفظ المعنى، كذا أظن، لذلك تطرَّق إلى شرح مسائل فقهية لا إشكال فيها من حيث اللغة، ولعل الَّذي جرَّه إلى ذلك سيطرة تخصُّصِه عليه، فالمؤلِّف معدود في الفقهاء والمفتين، أكثر مما هو معدود في النُّحاة واللُّغويِّين، وقد أبدع في المسائل الفقهية وأجاد وأفاد، بينما في اللغة لا يعدو أن يكون مختلسا لكلام أبي عبيد القاسم ابن سلام -دون غيره- مفسدا قصد أبي عبيد في ذلك؟ إذ جرَّده من أغلب الشواهد الَّتي امتاز بها الكتاب، وأسقط عَزْوَ النصوص التي نقلها أبو عُبَيْد عن أبي عُبَيْدَة والأصْمَعِيّ، وأبي عَمْرو الشَّيباني، وأمثالهم، فجاءت اللغة في كتاب ابن حبيب مبتسرة غير موثقة، وكأنه هو الَّذي نقلها, وليس الأمر كذلك ... ".
ومع كلّ ما يمكن أن يُوَجَّه للكتاب من نَقْدٍ، إلّا أنه يشتمل على فوائد نادرة، نذكر منها مباحثه الفقهية الَّتي نقلها من شيوخه، وخاصة من تلاميذ الإمام مالك الّذين شافهوه ونقلوا آراءه الَّتي أفتى بها في مجالسه ودروسه، التي لا يضمها كتاب، وإنَّما رُوَيت عنه، وحكاها ابن حبيب عنهم، فكتاب ابن حبيب سِجِّلٌّ حافلٌ لمثل هذه الآراء، وهي -وإن كانت قليلة نظرا لصغر حجمه- فهي نادرة ومفيدة، وقد أسهم في حفظها وروايتها" (١).
(١) مقدمة العُثَيْمِين لتفسير غريب الموطَّأ: ١/ ١٥٨.