للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرُوِيَ عن أبي رافع ما تَقَدَّمَ.

ورُوِيَ عن ابن عبّاس؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - تزوّج ميمونة وهو مُحْرِمٌ، والّذي رَوَى أبو رافع أَوْلَى؛ لأنّه باشَرَ القَضِيِّةَ وهو أعلم بها ممّن لم يباشرها.

وكذلك رُوِيَ عن ميمونة: تزوّجني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ونحن حَلَالَانِ بِسَرِف (١)، وهي أعلم بحالها وحال النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، لاسيّما وقد ذكرت موضع العَقْد، وقد أنكرت هذه الرِّواية على ابن عبّاس، فقال ابن المُسِّيب: وَهِمَ ابن عبّاس في تزويج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وهو مُحْرِم، على أنّه يمكن الجمع بينهما من وجهين:

أحدهما: أنّ يكون ابن عبّاس أخذ في ذلك بمذهب أنّ من قَلّد هَدْيَه فقد صار مُحْرِمًا بالتّقليد، فلعلّه علم بنكاح النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - بعد أنّ قلّد هديه وقبل أنّ يخرج.

الوجه الثّاني: أنّ يكون أراد بمُحْرِم في الأشهر الحُرُم.

المسألة الثّالثة:

وقال قوم: حديث ابن عبّاس صحيحٌ من جهة النَّقْل؛ لأنّ الواحد أقرب إلى الغَلَطِ من الجماعة، وأقلّ أحوال الخبر في نكاح ميمونة أنّ يكونا تعارضا، فسقط الاحتجاج بهما لكلِّ طائفتين، وبطلت الحُجَّة من غير قِصّة ميمونة. فإذا كان ذلك فإنّ عثمان رَوَى عن النّبىّ -عليه السّلام- أنّه نَهَى عن نكاح المُحْرِمِ وقال: "لَا ينكحْ الْمُحرِم وَلَا ينكح" ولا معارض له؛ لأنّ حديث ابن عبّاس قد عارَضَهُ بغيره. ذكر ابن أبي شيبة عن يزيد بن الاصم قال: حدَّثَتْنِي ميمونة بنت الحارث ان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - تزوّجها وهو حلال (٢). وقال: بذلك كانت خالتي وخالة ابن عبّاس.

قال الإمام: وقد حمل قوم حديث يزيد بن الاصم مُرْسَلًا بظاهر رواية الزُّهريّ، وليس كما ظنّوا؛ لأنّ رواية الزّهريّ مُحتملة للتأويل.

فإذا ثبت هذا، فقد اختلف الفقهاء في نكاح المحرم وهي:

المسألة الرّابعة (٣):

فقال مالك والشّافعيَّ واللّيث والأوزاعي: لا ينكح المحرم ولا ينكح، فإن فعل


(١) أخرجه أحمد: ٦/ ٣٣٢.
(٢) أخرجه من طريق ابن أبي شيبة مسلم (١٤١١).
(٣) هذه المسألة مقتبسة من المنتقي: ٢/ ٢٣٨ بتصرُّف.

<<  <  ج: ص:  >  >>