للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة (١): يَقتُلُ (٢) ابتداءً الذِّئب والكلب العَقُور والغُراب والحَدأَة ولا جزاء عليه، وكذلك إنَّ قتل أسدًا أو نمرًا وكل ما يعقر النَّاس؛ لأنّ الكلب مأخوذ من التَّكَلُّب، ومنه قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} (٣) والعَقُور مأخوذ من العَقْر، وقد رُوي عن أبي هريرة -وهو قول أهل اللِّسان (٤) - أنّه قَال (٥) الكلب العَقُور هو الأسد (٦).

ودليلنا من جهة القياس: أنّ هذا حيوان يلحق الضَّرَرُ من جهته بالعدوان والافتراس غالبًا، فجاز للمُحْرِمِ أنّ يبتدئه بالقتل، كالذِّئب والكلب العَقُور وغيره. وقال الشّافعيُّ (٧): كلُّ حيوانِ يحرمُ أكلُه فإنّه مباحٌ للمُحْرِمِ قتله، إلّا السَّبع وهو المتولِّد من الذِّئب والضّبع.

ودليلنا قوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ...} الآية (٨)، والصَّيد اسمٌ واقعٌ على كلِّ مستوحشٍ (٩) سواء كان ممّا يُؤكَل لَحمه أو لا يؤكل.

ومن جهة المعنى: أنّ هذا حيوان وحشيّ لا يبتدىء بالضَّرَر غالبًا، فوجب الجزاء على مَنْ قَتَلَه مُحْرِمًا، كالضّبع (١٠) والثَّعْلَب.

المسألة الثّانية (١١):

قوله: "الحِدَأَةُ والعَقْرَبُ " قال ابنُ القصَّار: نَصَّ النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - عليها، ونَبَّهَ بذلك على ما هو أكثر ضَرَرًا منها، وهذا يحتاج إلى تأصيل (١٢)؛ لأنّه ليس في جنسها ما يبلغ ضررها؛ لأنّ أكثر ضررها ليس بشدّة فيها، وإنّما هو لِكَثْرَتِهِا ودَنُوِّهَا من النَّاس وطلبها


(١) انظر الأصل: ٢/ ٤٤٥، ومختصر اختلاف العلماء: ٢/ ١٢٠.
(٢) أي المُحْرِمُ.
(٣) المائدة: ٤.
(٤) في المنتقى: "وهو من أهل اللّسان" وهو الأنسب.
(٥) "قال " ساقطة من الأصل، واستدركناها من المنتقى.
(٦) أخرجه عبد الرّزّاق (٨٣٧٩).
(٧) انظر الأم: ٣/ ٤٦٤.
(٨) المائدة: ٩٦.
(٩) في المنتقى: "متوحش يصطاد".
(١٠) في الأصل المخطوط: "كالسبع" والمثبت من المنتقى.
(١١) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٢٦١.
(١٢) في المنتقى: " وهذا الكلام يحتاج إلى تأمُّل".

<<  <  ج: ص:  >  >>