للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن العربيّ (١): "ولا ينبغي لحصيف إذ (٢) يتصدّى إلى تصنيف أن يعدل عن غرضين: إما أن يخترع معنى، أو يبتدع وصفا ومتنا ... وما سوى هذين الوجهين، فهو تسويد الورَق، والتحلي بحلية السرق".

بهذا التحديد المنهجيّ الدّقيق رام صاحبنا ابن العربيّ استبعاد المتطَفِّلِين على موائد الكَتَبَة، ووضع الحواجز المانعة أمام كلّ ضعيف الأداة قاصر الآلة من الولوج إلى ميدان صناعة التأليف، ومع هذا فقد سلَّم صاحبنا بأن إبداع المعاني أصبح متعذّرا في زمانه فقال (٣): "فأما إبداع المعاني فهو أمر مُعْوِزٌ في هذا الزمان، فإنّ العلماء قد استوفوا الكلم، ونصبوا على كلّ مشكل العلم، ولم يبق إلَّا خفايا في زوايا، لا يتوَلّجها إلّا من تَبَصَّر معاطفها، واستظهر لواطفها ... " ونزعم أن صاحبنا كان من جملة المصنفين البارعين الّذين حملوا هذه الأمانة، وقاموا بهذا الواجب، حين أجادوا الكشف عن الغوامض، وأحسنوا الغوص على الحقائق، بفِكْرِ صائبٍ ورَوِيّةٍ ثاقبة، فابدعوا كأشدِّ ما يكون الإبداع تألُّقًا وجمالًا، في صياغة إرثنا الثقافي صياغة دانية القطوف، مُتَسَنِّية التحصيل للمبتدئ والنتهي على السواء. وهذا المنهج الأمثل هو الَّذي بَوَّأَ الثقافة الإِسلامية تلك المنزلة الرفيعة والرتبة السامية بين مختلف الثقافات العالية، وإلى هذا المزيّة الظاهرة الَّتي تُقِرُّ بتفرُّد أمَّتِنا عن النُّظَراء أشار صاحبنا


(١) في عارضة الأحوذي: ١/ ٤.
(٢) في الأصل: "ان" ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٣) في العارضة: ١/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>