حَزْم، ولا شكّ أنَّه أثر في ابنه، بدليل ما نراه ماثلًا عند أبي بكر ابن العربيّ أعظم المثول وأشدَّه، من سَعَةٍ في الفكر، وجنوحٍ إلى تضييق دائرة التقليد، وإيراد الأقوال المخالفة، وتوسيع دائرة الخلاف، والإشارة إلى الأدلّة، وهذا ما نلمسهُ ونراه عيائا في "المسالك" فابنُ العربيّ لا يلتزم فيه غالبا بالانتصار لتقليد مذهب معيَّن؛ بل يفتح باب النّظَر في الأدلَّة، ولو في حدود النَّظر المذهبيّ، وهو الطريق الَّذي نعتبره الطّريق الوَسَط بين الاجتهاد والتّقليد.
كما أنَّ من الأسباب الَّتي دفعت ابن العربيّ إلى وضع كتابه "المسالك" هو ما رآه من قُصورِ لدى العلماء في عصره وهذا هو الَّذي حكاه في "العواصم"(١) عندما قال: "صار التقليد ديدنهم، والاقتداء بغيتهم، فكلما جاء أحدهم بعلم حقَّروا أمره، ودفعوا في صدره، إلَّا أن يستتر عنهم بالمالكية، ويجعل ما عنده من علوم على رسم التبعية؛ فإن جاءهم بفائدة في الدين وطريقة من سلف الصالحين، وسرد لهم البراهين غمزوا جوانبه ونتجوا عجائبه، وعيبوا حقَّه استكبارًا وعتوًا. وجحدوا علمه وقد استيقنته أنفسهم ظلمًا وعلوًا، وسعوا في إخمال ذكره, وتحقير قدره، وافتعلوا عليه، وردُّوا كلّ عظيمة إليه".