وهذا من إمام قد صحَّت عندكم إمامته في الفقه والحديث نقيصةٌ، إذ قد أسند كلّ مصنّف في كتابه أحاديثه.
فقلت لهم: اعلموا أنَّ مالكًا - رحمه الله - إمامٌ من أئمة المسلمين، وأنَّ كتابه أجلّ الدواوين، وهو أول كتاب ألّف في الإسلام، لم يؤلِّف مثله لا قبله ولا بعده، إذ قد بناه مالك - رحمه الله - على تمهيد الأصول للفروع، ونبَّه فيه على علم عظيم من معظم أصول الفقه الَّتي ترجع إليه مسائله وفروعه، وأنا -إن شاء الله- أنبهكم على ذلك عيانًا، وتُحيطون به يقينًا، عند التنبيه عليه في موضعه إن شاء الله.
وإن من سلف من الأيِّمة المتقدمين من الفقهاء والمحدثين قد وضع فيه كتبا كثيرة وان كانت كافية شافية، وبالغرض الأقصى وافية، لكن لم يسلكوا فيها هذا الغرض من أصول الفقه وعلوم الحديث، واستخراج النُكت البديعة والعلوم الرفيعة".
وهكذا فإنه يظهر لنا جليًا واضحًا أن ابن العربيّ رام من وضع كتاب "المسالك" الرُّدْ على الظاهرية الَّذين عابوا "الموطَّأ" والمالكية، والحق أن الظاهرية لم ينطلقوا من فراغ، وإنَّما كانوا ردّ فعل عنيف للنزعة التقليدية الالتزامية الضيِّقة الَّتي طالما ناءت بكلّكلّها على أهل البحث والنَّظر، وأحرقت مواهب العلم الحقّ والفقه الصّحيح، إذ صارت على طريقة التّقليد، بحيث أصبح عمل المتقدِّمين حُجُّة لا يُلتفتُ بعدها إلى الأيِّمة الأوّلين.
وبالرغم من أنّ ابن العربيّ كان شديدًا على الظّاهرية، إلَّا أنَّه تأثر بطريق غير مباشر بابن حَزْم، فابن العربيّ الوالد كان من كبار أصحاب وتلاميذ ابن