للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يجد إِلَّا هذا الحديث (١).

فإن قيل: ما بالُ حديث بئر بُضاعة، قوله فيه: "الْمَاءُ طَاهِرٌ لًا يُنَجَّسُهُ شَيءٌ" (٢).

قلنا: في طريق هذا الحديث من لم يوافق ما شَرَطَهُ البخاريّ، وقوله: "إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَة أَوْ رِيحَهُ" (٣) ليس من الحديث, فلذلك أدخل حديث الشُّهداء بقوله: "اللَّوْنُ لَوْنُ الْدَّمِ" ولو أنّه سكت هاهنا ولم يقل: "والرَّيحُ ريحُ المِسْكِ" لكان دَمًا مُطلَقًا، فكونُ ريحِه رِيحَ المسك، سَلَبَه اسمَ الدَّم المُطلَق، والماءُ المضافُ إِلى شَيءٍ لابُدَّ أنّ يقال ماء كذا, ولا يُسَمَّى ماء مطلقًا، كما لم يسم هذا الدَّم الدّم الذى ريحه ريح المسك دمًا مطلقًا حتّى قَيَّدَهُ فقال: "والرَّيحُ ريحُ المِسْكِ"، فجميعُ المياهِ: ماءُ البحرِ، وماءُ الأنّهارِ، وماءُ العيونِ، وماءُ الأمطارِ، يقالُ لَهُ ماءٌ مُطْلَقٌ.

تنبيه:

قوله (٤): "وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكلَمُ في سَبِيلِهِ": على معنى أنّ هذا الحكم ليس على الطّاهر؛ لأنّ من يقاتل في جند المسلمين هو مِمَّن يقاتل في سبيل اللهِ، إِلَّا أنّه قد يكون غيره يقاتل للمغنم، فلا يكن لأحدٍ من هؤلاء هذه الصّفة ولا هذه الفضيلة حتّى يقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العلّيا، فَيُكْلَم على هذا الوجه، فيكون حينئذ


(١) لم يرتض ابن عبد البرّ طرح هذا الاشكال، فقال الّذي التمهيد: ١٩/ ١٦ "والذي ذكره البخاريّ لا وجه له يعرف، وليس من شأن أهل العلم اللّغو به وإشكاله. وإنّما شأنّهم إيضاحه وبيانه، وبذلك أخذ الميثاق عليهم: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧] وفي كتاب البخاريّ أبواب لو لم تكن فيه كان أصح لمعانيه، والله الموفّق للصواب".
(٢) أخرجه أحمد: ٣/ ٣١، ٨٦، وأبو داود (٦٦ - ٦٨ ع)، والترمذي (٦٦) وقال: "هذا حديث حسن"، والنسائي: ١٧٤/ ١، والدارقطني: ١/ ٣٠، والبيهقي: ١/ ٢٥٧، كلهم من حديث أبي سعيد الخدريّ، بلفظ:"طهور". وانظر تلخيص الحبير: ١/ ١٣ (٢).
(٣) أخرجه من حديث أبي أمامة ابن ماجة (٥٢١)، والطبراني في الكبير (٧٥٠٣)، والبيهقي: ١/ ٢٦٠، والطحاوي في شرح معاني الآثار: ١/ ١٦. انظر الكلام على هذا الحديث عند ابن حجر في تلخيص الحبير: ١/ ١٦ (٣)، والدارية: ١/ ٥٢.
(٤) النصف الأوّل من هذه الفقرة إلى قوله: "على ما له عند الله من الشّرف" اقتبسه المؤلِّف من المنتقى: ٣/ ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>