للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه هنالك.

نُكْتَةٌ:

وأمّا إذا ركب البحر فمَادَ فيه، وهو اضطراب جوفه ورأسه، وهو مأخوذ من مادَ يميدُ، ومِنْ مادتِ الأرض، من قوله تعالى: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (١) أي: تضطرب.

فإذا كان على هذا الحال، فهل يركبه أم لا؟

فقيل: لا يركب لأنّه معطِّلٌ للصَّلوات.

وقيل: يركبه ويصلِّي؛ لأنّه مرض يعتريه في سبيل الله، وقد رُويَ في الآثارِ عن النّبىّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال:" ألْمَائِدُ في البَحْرِ يُصِيبُهُ القَيْء، لَهُ أَجْر شَهِيدٍ، وَالْغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ"، خَرَّجَهُ أبو داود (٢) عن أمِّ حِرَام، وهو حديثٌ حسنٌ.

الفائدةُ الثامنة (٣):

بَيَّنَ في هذا الحديث غزو النِّساء في البحر (٤)، وقد كان النِّساءُ يغزون مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -.

وقال مالك: يُكرَهُ للمرأةِ غزو البحرِ (٥).

وقال علماؤنا: إنّما ذلك لضيق الحال فيه، وعارِ الانكشاف وعدمِ التحرّز ممّن ركبه، فربّما رأى المرأةَ من لا ينبغي أنّ يراها، ويرى ما لا يحلّ له، وترى هي من غيرها كذلك، وإن كانت في موضعٍ مستورٍ محجوبةً لا تنكشف فهي في سَعَةٍ (٦). وهذه الحالة


(١) لقمان: ١٥.
(٢) الحديث (٢٤٨٥)، وأخرجه الحميدي (٣٤٩) مطولًا، وابن عبد البرّ في التمهيد: ١/ ٢٣٩.
(٣) انظرها في العارضة: ٧/ ١٤٩.
(٤) قاله البوني في تفسير الموطَّأ: لوحة ٧٠/ أ، وارتضاه ابن رشد في البيان والتحصبل: ٣/ ٤٣٥. وانظر تفسير الموطَّأ للقنازعي: الورقة ٢٢٠.
(٥) لم نجد كراهة مالك لغزو المرأة في البحر، وإنّما وجدنا كراهته لحجِّ المرأة في البحر من سماع ابن القاسم عن مالك في العتبية: ٣/ ٤٣٤، قال الإمام: "لا أحب لهن أنّ يحججن في البحر، وعابه عيبًا شديدًا.
(٦) يقول المؤلّف في العارضة: ٧/ ١٤٩ "ولو رآه مالك وعرفه لما منعه، ففي المراكب مواضع مستورة محجورة لا ينكشف الكائن فيها".

<<  <  ج: ص:  >  >>