للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمنع منه (١)، حتّى أذن فيه عثمان بن عفّان لمعاوية فركبه، ثمّ منعه عمر بن عبد العزيز (٢) وكان يقول: دودٌ على عود (٣)، ولِمَا رواه أبو داود (٤) وغيرُه (٥) واللّفظ لعبد الله بن عمرو, أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال:"لَا يركبُ البحرَ إِلَّا حاجٌّ، أو مُعْتمِرٌ، أو غازٍ في سبيل الله، فإنّ تحت البحرِ نارًا وتحتَ النّار صخرًا (٦) " وقد بيّنَّا ذلك في كتاب الطّهارة (٧) في قوله: "إنَّا نَرْكبُ البحرَ ونَحمِلُ القليل من الماءِ" (٨)، وأشبعنا القول فيه في "الكتاب الكبير" لنا، فمن أراد أنّ يعلم أنّ الحَوْل والقوّة لله ولا حِيلَة لأحدٍ فيه فليركب البحر.

وأمّا دخوله للتجارة، فقال سحنون: من ركب البحرإلى الرّوم في طلب الدّنيا فهي جُرْحَةٌ فيه، وقال: وقد نهى عن التّجارة إلى أرض السّودان؛ لأنّ أحكام الكفر تجري


(١) رواه عبد الرزّاق (٩٦٢٥)، وذكره ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١٤/ ٢٨٧، والتمهيد: ١/ ٢٣٣.
(٢) انظر شرح البخاريّ لابن بطّال: ٥/ ٨٩.
(٣) أخرجه ابن المبارك في الجهاد (٢٠٣)، وابن سعد في الطبقات: ٣/ ٢٨٥، وأورده صاحب في
العتبية: ١٧/ ٢٤ - ٢٥ من سماع ابن القاسم عن مالك، كلهم من قول عمرو بن العاصّ.
(٤) الحديث (٢٤٨١)، قال الحافظ المنذريّ في مختصر السنن: ٣/ ٣٥٩ "في هذا الحديث اضطراب، رُوِىَ في عن بشير هكذا، ورُوِىَ عنه أنّه بلغه عن عبد الله بن عمرو، وروى عنه رجل عن عبد الله بن عمرو، وقيل غير ذلك. وذكره البخاريّ في تاريخه [١/ ٢/ ١٠٤ - ١٠٥] وذكر له هذا، وذكر اضطرابه، وقال: لم يصح حديثه. وقال الخطابي: وقد ضعّفوا إسناده هذا الحديث".
وأورده ابن عبد البرّ في التمهيد: ١/ ٢٤٠ فقال: "وهو حديث ضعيف، مُظلم الإسناد، لا يصححه أهل العلم بالحديث, لأنَّ رواته مجهولون لا يُعْرَفون، وحديث أم حرام هذا يردّه".
وقال الألباني في الضعيفة (٤٧٨) منكر، ثمّ قال: "ولا يخفى ما في هذا الحديث من المنع من ركوب الجر في سبيل طلب العلم والتجارة ونحو ذلك من المصالح الّتي لا يعقل أن يصدّ الشارع الحكيم النَّاس عن تحصيلها بسببٍ مظنون، ألَّا وهو الغرق في البحر، كيف والله تعالى يمتنُّ على عباده بأنّه خلق لهم السفن، وسهل لهم ركوب البحر بها ... فقال: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس: ٤١ - ٤٢] أي السفن على القول الصّحيح الّذي رجّحه القرطبي وابن كثير وابن القيم وغيرهم".
(٥) كالبيهقي في سننه: ٤/ ٣٣٤، ورواه مختصرًا الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث (٣٥٩) من حديث أبي بكرة بإسناد ضعيف.
(٦) يقول الخطابي في معالم السنن: ٩/ ٣٥٩ "تأويله: تفخيم أمر البحر وتهويل شأنّه".
(٧) من العارضة: ١/ ٨٨.
(٨) في جامع التّرمذيّ (٦٩) عن أبو هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>