للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقَصَ منْ أجره كُلَّ يومٍ قيراطَانِ" (١) ومن طريق أبي هريرة: " أَوْ زرْعٍ" (٢) هذا التّأويل لأبي هريرة، تأويل من حَسّنَ الظَّن به وهو الصّحيح، إِلَّا تأويل من أَرادَ القَدْح في روايته وهم قومٌ من الخوارج، فقيل لعبد الله بن عمر: إنَّ أبا هريرة يقول في الحديث (٣): " أَوْ زرْعٍ" فقال: "يَرحَمُ الله أَبَا هُرَيرَةَ، كانَ صاحب زرْعٍ يعني: أنّه إذا كان صاحبَ زرْعٍ يكونُ أعلمَ بالمسألةِ من ليس بصاحب زرْعٍ (٤)، وهذا من لُطفِ الله تعالى، فإنّه جعلَ البهائمَ على ضربين: مُسَخَّرَةً مقدورًا عليها، ومُتَوحِّشَةً مُمتَنِعَةً بنفسها، ثمَّ أذِنَ في طلبها بالسِّلاح والجوارحِ، كلُّ ذلك ابتلاءً منه بحِكمَتِهِ وقُدرَتِهِ.

قال القاضي: ولتعليم الجوارح شرطان:

أحدُهما: الانشلاء والإشلاء.

الثّاني: الإجابة عند الدُّعاء.

ووقَع في ألفاظ علمائنا: "الانزجارُ عند الزّجر (٥) وليس بشرط (٦)، وهذا يستوي فيه البهائمُ والطَّيرُ، وليس يَلزمُ في الإشلاء رؤيةُ الصَّيد، بل يجوز أنّ يرسله ويُشلِيهِ في


(١) أخرجه البخاريّ (٥٤٨١)، ومسلم (١٥٧٤) عن ابن عمر.
(٢) أخرجها مسلم (١٥٧٥).
(٣) في مسلم (١٥٧٥) عن الزّهريّ.
(٤) ويقول القرطبي في المفهم: ٤/ ٤٥٠ "لا يفهم منه أحدٌ من العقلاء تُهمة في حقِّ أبي هريرةَ، وإنّما أراد ابن عمر: أنّ أبا هريرة لما كان صاحب زرع وكان محتاجًا لمن يحفظ به زرعه، سأل النّبيّ عن ذلك، فأجابه بالاستثناء، فحصل له علمٌ لم يكن عند ابن عمر، ولا عند غيره ممّن لم يكن له اعتناء بذلك ولا هَمٌّ".
(٥) وهو الّذي في المدوّنة: ١/ ٤١٠ قال مالك: [الكلب المعلّم] هو الّذي يفقه، إذا زُجرَ ازدجر" وهو الّذي نصّ عليه القاض عد الوهّاب في المعونة: ٢/ ٦٨٣، وقاله المؤلِّف في العارضة: ٦/ ٢٥٣.
(٦) وهو الّذي قاله ابن حبيب كلما نصّ على ذلك ابن رشد في المقدِّمات: ١/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>