للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اما صيدُ البحر فحلالٌ على الإطلاق، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} الآية؟ فقدلُه: {صَيْدُ} ما حُووِلَ بعملٍ، وقولُه: {وَطَعَامُهُ} ما لَفَظَ البحر ولم يُحْاوَل اخذُهُ، وكذلك تأوَّلَه عبد الله بن عمر (١).

وقال أبو حنيفة: ما لفَطهُ البحر لا يُؤكَل (٢).

ومعى قوله: {وَطَعَامُهُ} يعني: أُحِل لكم صَيْدُ البحر وأكلُه، وهذا عِيٌّ لا يليقُ بعالمٍ، فكيف بكلامِ البارئ سبحانه.

وتعلّقَ من رَأَى ذلك بأحاديثَ لا أصلَ لها، أمثلُها، ما رَوَى أبو داود (٣) عن جابِر عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "ما أَلقى البَحْرُ أو جَرَزَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَما طَفَا فَلَا تَأكُلُوُه" وقد ضعّفَهُ أبو دَاوُد، وأبو عيسى (٤)، والصّحيح ما رُوِيَ عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أنَّه قال في البحر: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيتَتُهُ" رواه الأيمَّة مالك (٥) وغيره (٦).


(١) رواه البيهقي في السنن: ٩/ ٢٥٤.
(٢) انظر مختصر الطحاوي: ٢٩٩، ومخصر اختلاف العلماء: ٢٩٩، والمبسوط: ١١/ ١٥٥.
(٣) الحديث (٣٨٠٩) من طريق يحيى بن سُلَيم الطانفي، وقال أبو داود: "روى هذا الحديث سفيان الثّوريّ وأيوب وحمادة، عن أبي الزبير، أوقفوه على جابر، وقد أُسد هذا الحديث أيضًا من وجه ضعيف، عن ابن أبي ذئب، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -"
قلنا: والحديث أخرجه ابن ماجه (٣٢٤٧)، والدارقطي: ٤/ ٢٦٨، وابن عدي: ٧/ ٢٦٧٦.
ويقول ابن قيم الجوزية في التهذيب: ٣/ ٣٢٥ "والحديث إنّما ضُعِّف لأنّ النَّاس رووه موقوفًا على جابر، وانفرد برفعه يحيى بن أبي سليم، وهو مع سُوءِ حِفظِهِ قد خالف الثِّقات وانفرد عنهم، ومثل هذا لا يحتجُّ به أهل الحديث، فهذا الّذي أراده أبو داود وغير من تضعيف الحديث".
وانظر كلام الحافظ ابن قطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام: ٣/ ٥٧٧ - ٥٨٦ (١٣٦٦)
(٤) لم نقف على كلام للترمذي في الحديث، ولعلّ العبارة مقحمة على النّصّ، ويترجّح هذا عندما نعلم أنّها ساقطة من نصِّ القبس بمختلف طبعاته.
(٥) في الموطَّأ (٤٥) رواية يحيى.
(٦) كالإمام أحمد: ٢/ ٢٣٧، والدارمي (٢٠١٧)، وابن خزيمة (١١١) وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>