للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف في ذلك الأيمَّةُ، هل هو نصُّ في التّحريم؟ فقال به جماعة (١). وقالت

جماعة: إنّه محمولٌ على الكراهية، وإنه نهي أدَبٍ وإرشادٍ (٢).

فأمّا من قال: إنّه تحريمٌ عامٌّ ومَن فَعَلَهُ وعَلِمَ به فإنّه (٣) عاصٍ آثمٌ، فاستدلَّ بقوله: "إِذَا نَهَيتُكُمْ عَنْ شَيءٍ فَانتَهُوا، وَإذا أَمَرتُكُمْ بِشَيءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا استَطَعتُمْ" فأطلقَ النَّهيَ ولم يقيِّدْهُ بصفةٍ، وكذلك الأمرُ لم يقيِّده إِلَّا بعدم الاستطاعة، فقالوا: إنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ (٤)، أو مشَى في نعلٍ واحدةٍ، أو قَرَنَ بين تمرتين في الأكل، أو أكل من رأس الصَّحفَةِ (٥)، ونحو هذا وهو عالمٌ بالنّهيِ كان عاصيًا.

وقال اَخَرُون: هذه الأشياء مُعَللَة، فهذا عُلِمَتِ العلّةُ أو زالت زال حُكمُهَا.

أمّا قولُه: "نهى عن الأكل من رأس الصَّحْفَة" فالعلَّةُ فيه أنَّ البركةَ تزولُ منها.

وأمّا "النّهي عن القِرَانِ في التَمر" لِمَا فيه من سوءِ الأدبِ (٦)، وكذلك النّهي عن الشَّربِ من فمّ السِّقَاءِ خوفَ الهَوَامِّ؛ لأنّ أفواه الأسقية تَصعَدُ فيها الهوامُّ، وربّما كان في السِّقَاءِ ما يؤذيه، فهذا جعل عليه شيئًا سَلِمَ منه.

وأمّا (٧) من نَصَّ على الكراهية (٨)؛ فإن عَبِيدَةَ (٩) غير معلوم الحِفظِ، وقد روى


(١) منهم ابن عبد البرّ كما في التمهيد: ١/ ١٤٠.
(٢) قاله أبو بكر الأبهري، كما نصَّ عليه ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١٥/ ٣١٥.
(٣) من هنا إلى آخر الفقرة الرّابعة مقبس من التمهيد: ١/ ١٤١ - ١٤٢.
(٤) الماء: وعاء من جلد يكون للماء واللّبن.
(٥) الصّحفة: إناءٌ: من آنية الطّعام.
(٦) تتمّة الكلام كما في التمهيد: " ... الأدب، أنّ يأكل المرء مع جليسه وأكيله تمرتين في واحد، ويأخذ جليسه تمرة، فمن فعل ذلك فلا حرج".
(٧) من هنا إلى قوله: "يدلُّ على تصحيحه له والتزامه" مقتبس من المنتقى: ٣/ ١٣١.
(٨) في المنتقي: "وقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "أكل كلّ ذي نابٍ من السِّباع حرام" وهذا نصّ في التّحريم، وقد أجاب عنه أبو بكر بن الجهم وغيره بأن ... ".
(٩) عبيدة بن سمان الحضرميّ، وثقه النسائي، وذكره ابن حبّان في الثقات: ٥/ ١٤٠، وانظر تهذيب الكَمال: ٥/ ٨٦ (٤٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>