كتاب المسالك في شرح موطأ مالك

كتاب الصيد - باب ماجاء فيمن يضطر إلى الميتة - ج: 5 - ص: 325

المَيْتَة، فهل له أنّ يشربها؟ ففي ذلك روايتان:

فروى ابنُ القاسم عن مالك في "العُتبية" (١): لا يشربها ولن تزيدَهُ إِلَّا عطشًا (٢).

وقال الأبهري (٣): لا يشربها؛ لأنّها لا تغني من الجوع ولا تُروِي من عطشٍ فيما يقال، وأمّا إنَّ كانت تُشْبع وتروي فلا بأس أنّ يشربها.

وفي "النّوادر" (٤) عن ابنِ حبيب فيمن غصّ بطعامٍ وخافَ على نفسهِ، أنَّه يجوز له أنّ يتجرّع الخمرَ، وقاله أبو الفرج (٥).

وروى أصْبغُ (٦) عن ابن القاسم: يشرب المضطرُّ، الدَّمَ ولا يشرب الخمرَ، ويأكل المَيتَة ولا يقرب ضوال الإِبل، وقاله ابنُ وهبٍ (٧).

المسألة العاشرةُ (٨):

وأمّا التّداوي بالمَيْتَة، فالمشهورُ من المذهبِ أنّه لا يحلُّ بوجه.

وقال سحنون: لا بأسَ أنّ يُداويَ جرحَهُ بعظام الأنعام المذكّاة، ولا يداويه بعظام مَيْتَة (٩). وإن جعل في قرح أو جرح فلا يصلّي به حتّى يغتسل، وقد خفَّفَ ابن الماجشون أنّ يصلِّي به.

فهذا قلنا: لا يجوز التّداوي بها ويجوز استعمالُها للضّرورة، فالفرقُ بين التّداوِي وبين الشُّرب للضّرورة ما قاله، وذلك أنّ التّداوي لا يُتَيَقَّن البُرْء بِهِ، فلم يجز أن يستعمل

---

(١) ١/ ٣١٤ في سماع ابن القاسم من مالك.
(٢) في العتبية: "إِلَّا شَرًّا".
(٣) في شرحه كما في المكى، وانظر النوادر والزيادات: ٤/ ٣٨٣.
(٤) ٤/ ٣٨٣.
(٥) هو الفقيه أبو الفرج عمرو بن عمرو الليثي المتوفَّي سنة ٣٣١ هـ.
(٦) في العتبيه: ٣/ ٣٢٦.
(٧) قاله ني المصدر السابق: ٣/ ٣٢٧.
(٨) هذ. المسألة مقتبسة من المنتقى: ٣/ ١٤١، ويُسْتَحسن الرجوع إلى كتاب أحكام الأدوية في الشّريعة لحسن الفكي [ط. داير المنهاج بالرياض].
(٩) في المنتفى: "وفي العتبية عن مالك في المرتك بصنع من عظام الميتة".