للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاله بعض العلّماءِ: إنّه يعزَّر وينكَّل إذا أُشكِلَ أَمرُهُ وتعلّقَتِ الظِّنَّةُ به.

مسألة (١):

وقوله (٢): إِنَّ عُمَرَ استَشَارَ في الخَمرِ وَجَوَابُ عَلِيٍّ، يدلّ على أنّه استشارَ في قَدرِ الحدِّ، وإنّما كان ذلك لأنّ الأصحّ أنّه لم يتقدَّم في زمَنِ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قَدرٌ لا يُزاد عليهِ ولا ينقص منه، وإنّما كان يضربُ مقدارًا قَدَّرَتهُ الصّحابة، واختلفوا في تقديره.

يدلُّ على ذلك: ما رُوِيَ عن عليَّ أنّه قال: "مَا من رَجُلٍ أَقَمتُ عَلَيهِ الحَدَّ فَمَاتَ، فَأَجِدُ في نّفْسِي منه شَيئًا إِلَّا شَارِب الخّمْرِ فَإِنَّهُ إنَّ مَاتَ فيه وَدَيتُه؛ لأنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - مَاتَ وَلَمْ يَسُنَّهُ" (٣)، ومعناه: لم يحدّه بحدٍّ يمنعُ الزِّيادةَ فيه والنّقص منه.

وقد (٤) كان - صلّى الله عليه وسلم - يَجْلِدُ في الخّمْرِ بِالنِّعَالِ، وَالجَرِيدِ (٥)، وَالثِّيَابِ، مِن غَيرِ تَقدِيرٍ وَلا تحدِيدٍ، إِلَّا أنّ الصّحابةَ قدَّرُوها بالأربعينَ، واستمرّتِ الحالُ على ذلك خلافةَ أبي بكرٍ، فلمّا تَتَايَعَ النَّاس في زمنِ عمرَ استشارَ في حدِّ الخمرِ، فقالَ له عليّ: "إِذَا سَكِرَ هذَى. وإِذَا هَذَى افتَرَى فَاجلِدْهُ حَدَّ الفِريَةِ أَوِ المُفتَرِي" (٦)، فكان هذا اتِّفاقًا من الصَّحابة على إثباتِ الأحكامِ بالقياس. ثمَّ جلدَ علىٌّ الوليدَ بنَ عقبةَ في زمنِ عثمانَ أربعينَ (٧)، ثمَّ استقرَّتِ الحالُ عندَ استواءِ الأمر لمعاويةَ على ثمانينَ، وقال بذلك مالك وأبو حنيفة (٨).


(١) الفقرتان التاليتان من هذه المسألة إلى قوله: "يمنع الزِّيادة فيه والنّقص منه" نقلهما المؤلِّف من المنتقى: ٣/ ١٤٣ - ١٤٤.
(٢) أي قول ثَوْر بن زَيد الدِّيليّ في الموطَّأ (٢٤٤٢) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٨٦٦)، ومحمد بن الحسن (٧١٠).
(٣) أخرجه البخاريّ (٦٧٧٨)، ومسلم (١٧٠٧)، وانظر أحمد: ١/ ١٢٥، ١٣٠، وابن ماجه (٢٥٦٩)، وأبو يعلى (٣٣٦، ٥١٤).
(٤) انظر الكلام التالي القبس: ٢/ ٦٥٥ - ٦٥٦.
(٥) أخرجه البخاريّ (٦٧٧٣)، ومسلم (١٧٠٦) من حديث أنس.
(٦) أخرجه مالك في الموطَّأ (٢٤٤٢) رواية يحيى.
(٧) أخرجه مسلم (١٧٠٧) من حديث أبي ساسان حُضَيْن بن المنذر.
(٨) انظر المبسوط: ٢٤/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>