للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ شاء الله- أحد الأقسام: حديثُ النّفس، ولم يُحدِّث إبراهيمُ قَطُّ نَفْسَهُ بذبحِ ولَدِهِ، وأمّا تحْزِين الشّيطانِ، فليس له على الخليل سبيلٌ، فلم يبقَ إِلَّا أنّه مِنَ الله على طريقِ البرهانِ، فَعَرّضَهَا حينئذٍ على إسماعيلَ، فقال له: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَر} الآية (١)، وجعلَ الصُّوْرةَ أمرًا؛ لأنّها تستدعي الامتثالَ لتحقيقِ المنامِ، فيكونُ المجازُ في قوله: {تُؤْمَر} خاصّةً، وعلى القول بالنَّسخِ يكون دَعْوَى، ويكون في قوله: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ} لآية (٢) مجازٌ كثيرٌ بعيدٌ فأضْجَعَهُ ليَمتَثِلَ ما رأى فيه، فنُودِيَ {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} الآية (٣)، معناه: بتَعَاطِيكَ الامْتثالَ، وبمبادَرَتِكَ إلَى الظّاهر والاسْم، ولكن خُذِ التَّأويل، واعْطِ الفِدْيةَ، وكَمِّلِ التّصديقَ والابتلأءَ، وصار إلى يومِ القيامةِ سنَّةً في الاقتداءِ.

وقيل: الرُّؤيا على قسمين: اسم، وكُنْيَة.

فالاسم: أنّ تَخرُجَ بصورتها.

والكُنْيَةُ: أنّ تخرُجَ بتأويلها.

ولذلك قال النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - حين بَنَى بها: "رَأيتُكِ في الْمَنَامِ فِي سَرَقَةِ حَرِير، فَقَالَ ليَ المَلَكُ: هَذِهِ زَوْجُك، فَكَشفْتُ عَنْكِ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يُكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ" (٤)

فتأمَّل ظاهرَ هذا، كيف يقولُ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "فَقالَ لِيَ المَلَكُ: هَذِهِ زوْجُكَ" ثمَّ يقولُ رسولُ الله: "إنَّ يَكُن من عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ" والجاهلُ يَظُنُّ أنّ هذا شكًّ في التَّصديقِ للرُّؤيا، والمعنى: إنْ يَكُ هَذَا من عِنْدِ اللهِ بظاهره يُنْفِذُهُ ويُمْضِهِ، وإنْ يَكُ تأويلًا أو كُنْيَةً بسَمِيَّتِهَا


(١) الصافات: ١٠٢.
(٢) الصافات: ١٠٢.
(٣) الصافات:١٠٤، ١٠٥.
(٤) أخرجه البخاريّ (٣٨٩٥)، ومسلم (٢٤٣٨) والسَّرَقَةُ: القطعة من الحرير الجيِّد.

<<  <  ج: ص:  >  >>