للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يرَ مالكٌ هذا اللَّغو، والحكمةُ في ذلك -واللهُ أعلمُ- أنّه قد جعَل هذا الّذي أوردناه في اللَّغو تحت قولِهِ تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} الآية (١).

وإنّما اللَّغوُ ما قاله مالك: أنّ يحلِف الرّجلُ على الشّيءِ يظنُّه على معنىً، فيخرُجُ على خلافه.

فرع (٢):

قال الإمام أبو بكر بن العربي: قال بعضُ القرَوِيِّين من شيوخنا: قال أبو حفصٍ العطّارُ (٣) يومًا لأصحابه: إذا حَلَفَ الرّجلُ بالطّلاقِ على أمرٍ يظنُّهُ بشيء، فيخرج على خلافِهِ، ما يلزَمُه؟ قالوا له: لا شيءَ عليه؛ لأنّ هذه لَغْوُ اليمين عند مالكٍ، فقال: أخطأتُم، إنّما يكونُ لَغوُ اليمين في اليمينِ بالله، لا في اليمين بالطّلاق.

وأمّا اليمينُ الغَمُوسُ، فهي عند أبي حنيفةَ (٤) من جملة اللَّغوِ؛ لأنّهّا غيرُ مُنْعَقِدَة.

فأمّا مالك (٥)، فرأَى سقوطَ الكفّارة فيها من جهةِ عِظَمِ إِثمها، وهو وإن كان أشار إلى ذلك في آخِرِ كلامه، فإنّما أَوَّلُهُ مبنىٌّ على عَقْدِ اليمينِ، واليمينُ عَقْدٌ يفتقرُ إلى معقودٍ بِه ومعقودٍ في نفسه، فإذا كذَب لم يكن هناك معقودٌ، فلا يكونُ هنالك عَقْدٌ.

فإن قيل: قد قصدها بقوله: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} الآية (٦)، وهذا قد كَسَبها.


(١) البقرة ٢٢٤.
(٢) انظره في القبس: ٢/ ٦٦٨ - ٦٦٩.
(٣) هو الإمام عمر بن أبي الطَّيِّب محمّد التميمي، من أيمّة فقهاء القيروان، كان حافظًا للمذهب، حسن الاستنباط، توفي سنة ٤٢٨، له تعليق على المدوّنة أملاه سنة ٤٢٧ يعدّ من أحسن ما كُتِبَ عليها. انظر ترتيب المدارك: ٨/ ٦٧ - ٦٨، وكتاب العمر لحسن حسني عبد الوهّاب: ١/ ٦٦٥.
(٤) انظر مختصر الطحاوي: ٣٠٥، ومختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٢٥٣، والمبسوط: ٨/ ١٢٦.
(٥) في الموطَّأ (١٣٦٩) رواية يحيى.
(٦) المائدة: ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>