للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال بعضُهم: إنَّما ذلك لاختبارِ حالِهِ في الجهاتِ الأربع: في الشّرقِ، والغرب، والشّمال، والجنوب، فجعل لكلِّ جهةٍ عامًا، وهذا ممّا يمكِنُ أنّ يكون قَصَدَه ولا يُقطَعُ عليه.

وقيل: إنّما ضَرَبَ لها عمر الأجل أربعة؛ لأنّها المُدَّة الّتي تبلغها المكاتبة في بلاد الإسلام سيرًا وعَودًا، وهذا يبطل أيضًا على القولِ بأنَّ الأجلَ إنَّما يُضرَبُ بعدَ الكَشْفِ والبحثِ، وإنّما حُكمُهُ أنّ يقالَ على مذهبِ من يَرَى ضربَ الأَجَلِ من يومِ الرَّفعِ، وفيه أيضًا نظرٌ، وإنّما أُخِذَت الأربعة أعوام بالاجتهاد؛ لأنّ الغالبَ أنَّ من كان حيًّا لا تخفَى حياتُه مع البحث عليه أكثر من هذه المُدَّة، ووجبَ الاقتصار عليها؛ لأنّ الزّيادةَ فيها والتّقصير منها خَرْقٌ للإجماع؛ لأنّ الأُمَّة في المفقود على قولين:

١ - أنّ زوجته لا تتزوّج حتَّى يُعْلَم موتُه، أو يأتي عليه من الزّمان ما لا يحيى إلى مِثْلِهِ.

٢ - والثّاني: أنّه يباحُ لها التّزويج إذا اعْتَدَّت بعدَ تربُّصِ أربعة أعوام.

فلا يجوز إحداث قولٍ ثالثٍ.

والَّذي ذَكَرَهُ الأَنجهَيري من أنّ أكثر مُدَّة الحمل أربعة أعوام هو ظاهر ما في كتاب العِتقِ الثّاني من "المُدَوَّنة" (١)، وهو مذهبُ الشّافعيّ (٢).

وذهب ابن القاسم إلى أنّ أكثَرَهُ خمسة أعوابم.

وروَى أشهب عن مالك سبعة أعوام، على ما رُوِيَ أنّ امرأة ابن عجلان ولدت لسبعة أعوام.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثّوريّ إلى أنّ أقصاه عامانِ، واختارهُ الطحاويّ (٣)، استدلالًا بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (٤) فلا يصحّ أنّ يخرجَا منها ولا واحد منهما، فلمّا خرجت عنها سائر الأقرال لم يبقَ إِلَّا هذا القول الَّذي لم يخرج قائله


(١) لم نجد. في الكتاب المذكور من المدوّنة.
(٢) انظر الحاوي الكبير: ١١/ ٣١٦، ومختصر خلافيات البيهقي: ٤/ ٢٩٧.
(٣) وهو الّذي يفهم من كلامه في المختصر: ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٤) الاحقاف: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>