للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ (١).


= أبقى النّخلات الّتي استثناها على ملكه وأنْفَذَ البيع فيما سواها, ولم يجز أنّ يتوهّم عليه التنقّل في اختياره من بعض إلى بعض، هو أكثر منه أو أقلّ، فيدخله بيع التّمر بالتّمر متفاضلًا؛ لأنّه قد خبر الجميع وعرف الفاضل منه من المفضرل في الكيل والجودة، فكان ما استثناه معلومًا له قبل الاشتراط وبعده، وإنّما بيَّنَ أمره على أنّه قصد الارتفاق بما اشترطه من ذلك واستدفاع المضرّة الّتي تلحقه في تفريق صفقته وإن كان مجهولًا، فوجب أنّ يحكم لما كان في معناه بحُكْمِه.
فأمّا الّذي ابتاع نخلات من حائط مثمر على أنّ يختارهنّ، فإنّه لا يجوز عنده من أجل أنّ نخل الحائط متفاوت في العمل والجودة وغرض المبتاع فيما اشترطه من الخيار: المناجزة والمكايسة وطلب الفضل، فلو مض ابتياعه من غير شرط لكان حقه في جميع الحائط سائغًا، وإذا اشترط الاختيار فقد انتقل من بعض ذلك إلى بعض هو أكثر منه أو أقلّ، فيدخله بيع التّمر بالتّمر متفاضلًا وبيع التّمر بالتّمر جزافًا، وهذا ما لا يجوز اتِّفاقًا.
وأمّا كراهية ابن القاسم لبائع الحائط المثمر أنّ يستثني منه اليسير من نخله على أنّ يختاره جملته، فقياس على المبتاع؟ لأنّ في الحائط الجّيِّد والرديء وما يفضل بعضه بعضًا في كثرة الحمل وقلَّته، فيصير في معنى بيع التّمر بالتّمر متفاضلًا، وقد صَرَّحَ ابنُ القاسم بهذا المعنى في قوله: لأنّ الغنم بعضها ببعض لا بأس بها متفاضلًا، والتّمر بالتّمر لا خير فيه متفاضلًا، والمعنى الّذي له ومن أجله أُبِيح للبائع استثناء لليسير ممّا باعه غير موجود في المبتاع؛ لأنّ المبتاع إنّما عرضه فيما يشترطه من الاختيار: المكايسة وطلب الفضل ... النّخل متفاوت في الحمل والجودة، وما يختار منه غير معلوم له في حال الاشتراط، فهو ينتقل من بعض ذلك إلى بعض هو أكثر منه ويدخله مع التّمر بالتّمر متفاضلًا. والبائع المستثنى اختيار اليسير من حائطه بخلاف ذلك؛ لأنّ ما يتثنيه منه إنّما هو في معنى ما يبقيه على ملكه، وهو معلوم له، ولا يُتوهَّم عليه التنقُّل في اختياره.
وأيضًا: له عرض فيما يشترطه من ذلك، وهو استدفاع المضرّة الّتي تلحقه من تبعيض صفقته، فأشبه البائع الّذي يستثني لليسير من ثمر حائطه كيلا، وهذا ممّا لم يختلف في تجويزه قول مالك ولا ابن القاسم لأنّهما لم يقصدا قصد الفضل، وإنّما قصِدَ الارتفاق بكمال صفقته واستدامة مرتفقه، وقول مالك في ذلك أولى بالصّواب عندي والله أعلم".
(١) أخرجه مالك في الموطَّأ (١٨٢٦) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (٢٥١٧)، وسويد (٢٣٠)، ومحمد بن الحسن (٧٦٥)، والقعنبي عند الجوهري (٤٦٢)، وعبد الرزّاق في مصنفه (١٤١٨٥)، والطيالسي في مسنده (٢١٤)، والشّافعيّ في مسنده: ١٤٧، وعبد الله ابن نمير، وابن مهدي عند أحمد: ١/ ١٧٥، ١٧٩، وإسحاق بن سليمان الرازي، ووكبع بن الجراح عند ابن ماجه (٢٢٦٤)، وقتيبة بن سعيد عن التّرمذيّ (١٢٢٥)، ومعن بن عيسى، ويحيى بن سعيد عند النسائي في الكبرى (٦٠٣٤، ٦١٣٦)، وعبد الله بن وهب عند ابن الجارود (٦٥٧)، وعبد الله بن عون عند أبي يعلى (٧١٣)، ويحيى بن يحيى النيسابوري عند الحاكم: ٢/ ٣٨، وانظر تعليق بشار عواد معروف على الموطَّأ ففيه فوائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>