إنَّ لذلك حالتين: إحداهما: حال ضرورة وضيق، فهذا حال يمنع فيها من الاحتكار، ولا خلاف نعلمه في ذلك. والثّانية: حال كثرة وسَعَةٍ، فهاهنا اختلف أصحابنا، فالذي رواه ابن القاسم عن مالك أنّه لا يمنع فيها من احتكار شيءٍ من الأشياء. قال مالك: ومما يعيبه من مَضَى ويرونه ظلمًا منع التّجر إذا لم يكن مضرًّا بالناس ولا بأسواقه. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك أنّ احتكار الطّعام يمنع في كلِّ وقت، فأمّا غير الطّعام فلا يمنع احتكاره إِلَّا في وقت الضّرورة دون وقت السَّعَةِ ... [المسألة الثّالثة] وهو ما يمنع من احتكاره. فالذي رواه ابن الموّاز وابن القاسم عن مالك [في المدوّنة: ٣/ ٢٩٠] أنّ الطّعام وغيره من الكتان والقطن وجميع ما يحتاج إليه في ذلك سواء، فيمنع من احتكاره ما أضرّ ذلك بالناس. ووجه ذلك: أنّ هذا ممّا تدعو الحاجة إليه، لمصالح النَّاس، فوجب أنّ يمنع من إدخال المضرّة عليهم باحتكاره كالطّعام. [المسألة الرّابعة] في بيان ما يمنع من الاحتكار. أمّا ما يمنع من الاحتكار، فإن النَّاس في ذلك على ضربين: ضربٌ صار إليه بزراعته، أو جلابه، فهذا لا يمنع من احتكاره، ولا من استدامة إمساكه ما شاء، كان ذلك ضرورة أو غيرها، روى ابن الموّاز عن مالك أنّه قال: يبيع هذا متى شاء، ويمسك إذا شاء بالمدينة وغيرها. والضرب الثّاني: من صار إليه الطّعام بابتياع بالبلد، فإن المنع يتعلّق به في وقتين: أحدهما أنّ يبتاعه في وقت ضرورة ... والثّاني: أنّ يبتاعه في وقت سَعَةٍ وجواز الشِّراء، ثمّ تلحق النَّاس شدَّة وضرورة إلى الطّعام، ففي كتاب ابن الموازة قيل لمالك: فهذا كان الغلاء الديد وعند النَّاس طعام مخزون، أيُبَاعُ عليهم؟ قال: ما سمعته".