للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله (١):" إنّما أنا بَشَرٌ" يعني به: بَشَرٌ حاكمٌ بينكم.

وَ"إَنَّكُم تَختَصِمُونَ إِلَيَّ" (٢) وفي ذلك إشارةٌ إلى الدّليل على أنّ الخِصَامَ لا يكون إِلَّا عند الحاكِمِ، وهو الّذي يقضي ويَنْفُذُ قضاؤُهُ.

فإن حَكَّمَ رجلان رَجُلًا بينهما، فإنّه على اختلافٍ كثيرٍ بين العلماء، جملتُه: أنّه يجوزُ عندنا وينفُذُ، وبه قال الشّافعيُّ (٣)، وقال أبو حنيفةَ (٤): لا يَنْفُذُ إِلَّا أنّ يوافِقَ مذهبَ قَاضي البلد، وهذا باطلٌ؛ لأنّ علماءنا قالوا: إنّه يَنفُذُ؛ لأنّ القاضي وكيلُ الخَلقِ، هم أقاموه للفصْلِ بينهم والقيام بمنافعهم، فإن خفّفوا عنه من ثِقَلِهِم جازَ ذلك لهم، ولا يجوزُ صرفُ الكلِّ عنه أو الأكثر؛ لأنّ ذلك يكون عُدُولًا عنه، وقدِ اتّفقنا على أنّ القاضِيَ إنَّ قَدَّمَ قاضيًا فحَكَمَ الثّاني بغير مذهبِ الأوَّلِ، أنّه نافذٌ معمولٌ به، فكذلك هذا.

الفائدةُ الرّابعة (٥):

قوله (٦):"وَلَعَلَّ بَعضَكُم أنّ يَكُونَ ألحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعضٍ". قال أبو عُبَيد (٧): "اللَّحَنُ -بفتح الحاء- الفِطنَةُ، واللَّحْنُ- بجزم الحاء- الخطأ في الكلام".

والخَصم -بفتح الخاء- أحد الخصمين، ويقال ذلك للاثنين والجمع، قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} الآية (٨)، والخِصم -بالكسر- والخِصام: المُجَادلة.


(١) في حديث الموطَّأ السابق ذِكرُهُ.
(٢) جزء من الحديث السابق.
(٣) انظر الحاوي الكبير: ١٦/ ٣٢٣.
(٤) حكاه عنه العثماني في رحمة الأُمَّة: ٤٠٩.
(٥) انظر العارضة: ٦/ ٨٣.
(٦) أي قول النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطَّأ (٢١٠٣) رواية يحيى.
(٧) في غريب الحديث: ٢/ ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٨) سورة ص: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>