للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرَهُ ويحكُمَ بما يقولُ له (١)، وهذا باطلٌ؛ فإنّ الّذي يُفْتِي هو الّذي يَقضِي، وهذه غايةُ الجَهَالَة من أبي حنيفة. وقد تعلّق أصحابُه في ذلك بأنّ عبدَ الرّحمن بنَ عَوفٍ دَعَا عثمانَ بن عفّانَ إلى البَيعَةِ على تقليدِ أبي بكرٍ وعمرَ (٢)، وعجبًا لعلّمائهم أنّ يتعلّقوا بهذا المعنَى الّذي ليس من مسألتنا بِوِردٍ ولا صدرٍ، وأَوَّل ما فيه الكذبُ؛ فإنّ عبد الرّحمان إنّما بَايَعَ عثمانَ ليسيرَ بسِيرَةِ الشّيخين في اعتماد العَدْلِ، والاحتياطِ على الخَلقِ، وإحكامِ الضّبط لِمَا انتشر من أمرِ النّاسِ، وكذلك فَعَلَ، ما خالَفَ ولا نَقَضَ، كما بيَّتنَّه في "كتابُ المشكلين".

أمّا أنّه ربما توهَّمَ مُتَوهِّمٌ أنّ في قول عبدِ الرّحمن لعثمانَ: " أُبَايِعُكَ عَلَى سِيرَةِ الشَّيخَينِ" حَملًا له على تقليدِهِمَا فيما سبَقَ من أحكامِهِما، بناءً على تقليد العالِمِ للعالِمِ على ما تقدَّم وضوحه في "أصول الفقه" (٣)، وذلك يجوزُ عند الحاجةِ إلى ذلك وضِيقِ الوقتِ، فأمّا مع الإطلاقِ والاسترسالِ في كلِّ نازلةٍ تَقَعُ، فإنّه ممنوعٌ إجماعًا.

الفائدةُ السّادسة (٤):

قوله (٥) صلّى الله عليه وسلم -: "فَأقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحوِ مَا أَسمَعُ " هذا ممّا تعلَّق به بعضُ أصحابِ أبي


(١) يقول المرغيناني في الهداية: ٣/ ١٠١: "الصّحيح أنّ أهلية الاجتهاد شرط الأولوية، فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا، خلافًا للشافعي".
(٢) أخرجه البخاريّ مُطَولًا (٧٢٠٧) من حديث المِسوَر بن مخرَمَة.
(٣) يقول المؤلِّف في المحصول في علم الأصول: ٦٥/ ب " لا يجوز لمن قدرَ على النَّظر أنّ يُقلد عالمًا. وقال بعض النَّاس: يجوز للعالم أنّ يقلِّد عالمًا، كما يقلِّده في القبلة. وهو ضعيفٌ؛ فإن العمل في القبلة ليس من باب التّقليد، وإنّما هو من باب سماع الخبر وقَبوله. فأما إنَّ خاف العَالِمُ الفَوتَ، فهل يجوز له أنّ يقلِّد العالم؟ اختلف النَّاس فيه، وهي مسألة اجتهادية. والصّحيح عندي جوازه؛ لأنّ ما يقتحم في التقليد من الخطأ أيسر من اقتحام فوت الوقت" وانظر هذه المسألة في المقدِّمة في الأصول: ١٠ مع حاشية المعلِّق.
(٤) انظرها في القبس: ٣/ ٨٧٣ - ٨٧٧.
(٥) في حديث الموطَّأ السابق ذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>