للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زُورٍ في الباطن، فشَهِدُوا أنّ فلانةَ زوجُ فلانٍ، وليست منه، قَبِلَ شهادَتهما وحَكَمَ له بتزويجها، أنّه يَحِلُّ له ذلك ظاهرًا وباطنًا، ويَطَؤُهَا بكتاب الله. ومعاذَ الله أنّ يكون باطلٌ تُنَزَّهُ الأموالُ على أنّ يَنْفُذَ فيها، ويَنفُذَ في الفُروج الّتي هي أعظَمُ حُرمَةً، على ما أوضحناه في "مسائل الخلاف".

وأقوى مُتَعَلَّقِ لهم؛ أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أباح المرأةَ في اللِّعان للزّوج الثّاني، مع أنّ اللِّعان زُورٌ وكذِبٌ، واللِّعانُ أصلٌ مُستَوفًى وحُجَّةُ ضَرُورَةٍ كما بيَّنَّا.

وأقوى ما في هذا الحديث؛ أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "اللَّهُ يَعلمُ أَن أَحَدَكمَا كَاذِبٌ، فَهَل من تَائِبٍ" (١) فبيّن النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّ قضاءَهُ انبنَى على كَذِبٍ للضّرورةِ، وقد اتّفقنا على أنّ القاضي لو عَلِم الكَذِبَ في هذه المسألة، لَمَا جاز لهَ أنّ يَقضيَ، فإنّ خطأَ القاضي لا يَلزَمُ، وهي مسألةٌ عظيمةٌ؛ فإنّ ذلك لا يُلزِمُهُ ضمانًا يُوجبُ عليه ملامًا.

والأصلُ في ذلك: أنّ خالدَ بنَ الوليدِ لمّا أخطأ في بني جَذيمَةَ، لم يُعَلِّق به النّبيّ شيئًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أنّه قال: "اللهُمَّ إِنِّي أَبرَأُ إِليْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِد" (٢) وَوَدَاهُم وأموالَهُم، والمعنى يعضُدُه. والقاضي لو نظر بشَرطِ سلامَةِ العاقبةِ, وهو ألَّا يُعَوَّلَ على النَّصِّ وإنّما يبني حُكمَهُ على الاجتهاد، لكان ذلك باطلًا من وجهين (٣):

أحدُهما: أنّه كان يكون تكليف ما لا يُطَاق.

والثّاني: أنّه كان يكونُ تنفيرًا للخَلقِ عن الوُلاة، فتتعطّلُ الأحكامُ.


= "رحم الله الإمام، ما كان ينبغي لجلالته وفضله أنّ يذكر الإمام الأعظم بمثل ذلك: وطريق الأدب مع سائر الأيمَة واجب، وكل مجتهد مصيب على مذهب المؤلِّف" القبس: ٣/ ٣٧٣ (ط. الأزهري).
(١) أخرجه مسلم (١٤٩٣) من حديث ابن عمر، وقد سبق تخريجه.
(٢) أخرجه البخاريّ (٤٣٣٩) من حديث سالم عن أبيه.
(٣) هذه المسألة مقتبسة من تفسير الموطَّأ للبوني: ١٠٠/ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>