للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمّد بن الحسن (١) والطّبريّ: يجوز على كلِّ حال.

والأدلَّةُ لنا من ثلاث طرقٍ: الأوّل: ما رُوي عنه - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "لَا يُفلِحُ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمرَهُم إِلَى امرَأَةٍ" (٢).

ومن جهة المعنى: إنّما هو أمر يتضمّن فصل القضاء فوجب أنّ تُنَافيهِ الأُنُوثة كالإمامة.

ويكفي في ذلك عندي عمل المسلمين من عهد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إلى الآن.

وقال (٣) أصحابُ أبي حنيفة (٤): إنَّ المرأة تقضي فيما تَشهَدُ فيه؛ لأنّه من جازَ أنّ يكون شاهدًا في شيءٍ، جازَ أنّ يقضي وأن يكون فيه قاضيًا كالذَّكَرِ، وهو يَنتَقِضُ عليه بالكافِرِ، فإنّه يجوزُ عنده أنّ يكون شاهدًا، ولا يجوزُ أنّ يكون حاكمًا ولا قاضيًا. وأجمعتِ الأُمَّةُ أنّها لا تكونُ خليفةً، فكذلك القضاءُ، وإنّما أشار الطّبريُّ إلى مذهب أبي حنيفةَ، ومذهبُ أبي حنيفةَ إنّما هو إذا حَكمَت، وأمّا أنّ يُقَدِّمَها الإمامُ لتكونَ منصوبةً للنّاس، فما كان ذلك قطُّ مذهبًا لأحدٍ. وقدِ اتَّفقتِ الأُمَّةُ على أنّها لا تؤذِّن؛ لأنّ صوتَها عورةٌ، فهذا لم يَجُز سماعُ صوتِها وهي في المئذَنَةِ لَا تُرَى، فاَؤلَى وأَحْرَى ألَّا تجوزَ مجالستُها ولا محادَثَتُها ابتداءً من قِبَلِ نفسِها، فكيف أنّ يُلجِئَها الإمامُ لذلك، ولو تَفطَّنَت لهذا عصبةُ الجاهلينَ ما كانوا عن الحقِّ ناكبين.

الثّانية (٥):

أمّا "كونه مُفرَدًا" فإنّه لا يُوَلَّى اثنان فأكثر على وجه الإشراك، فيكون لأحدِهما النّظر مفردًا. وقال ابنُ شعبان في "الزّاهي" له: "والحاكمُ لا يجوز أنّ يكون نصف حاكم، فلا يجتمع اثنان فيكونان حاكِمَين" وعلى ذلك إجماعُ الأُمَّةِ من زمان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إلى وقتنا


(١) انظر أدب القاضي للخصاف مع شرحه للجصّاص: ٣٥٤.
(٢) أخرجه البخاريّ (٤٤٢٥) من حديث أبي بَكْرَةَ.
(٣) من هنا إلى قوله: "عن الحق ناكبين" ورد في القبس: ٣/ ٨٧٨ - ٨٧٩.
(٤) انظر شرح فتح القدير: ٧/ ٢٧٩.
(٥) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٥/ ١٨٢ - ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>