للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا, ولا أعلم أنّه اشترك قطُّ قاضيان في زمان مَنْ تقدَّمَ، ولا سُمِعَ بذلك؛ لأنّ ذلك كان يؤدِّي إلى المُخالفة والتّناقض.

الثّالثة:

أمّا (١) "كونه بأن يكون بصيرًا" فلا خلافَ بين المسلمين في المنع من كَونِ الأعمَى حاكمًا. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ (٢) والشّافعيّ (٣)، وبلغني عن مالك أنّه كان يقول: إنَّ كان (٤) يميِّزُ الأصواتَ ممّن تكرَّرَ عليه صوتُه (٥)، وليس كلُّ مَنْ شهد عنده ممّن يتكرّر عليه، فقد يشهدُ عنده ويزكَّى في غير ذلك المجلس، فلا يدري هل هو المزَكَّى عنده هو الّذي زُكَّيَ عنده بالأمس أو غيره، وقد يخرجُ بغير هذه التّزكيةِ، فلا يدري هل هو ذلك أو غيره.

وقد احتجّ قومٌ بحديث (٦) ابن أُمِّ مَكتُوم فقال: إنَّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قدِ استخلَفَهُ على المدينة في أحد الغزوات.

الجواب - قلنا: إنّما كان ذلك لأنّه لم تكن في ذلك الزّمان خصوماتٌ، وإنّما كان يقعُ في النّادر أمر يحتاجُ إلى التّسديد، وكان ابنُ أُمِّ مَكتُوم به مُستَقِلًا، أوَ لا تَرَى أنّه إنّما كان يخافُ على المدينة عورةً، ولم يكن ابنُ أُمِّ مكتومٍ مُستَقِلًا بحماية الحَوزَةِ،


(١) من هنا إلى قوله: "هو ذلك أو غيره " مقتبس من المنتقى:٥/ ١٨٣.
(٢) انظر المبسوط: ١٦/ ١٠٨ - ١٠٩.
(٣) انظر أدب القاضي لابن القاص: ١/ ١٠١، والحاوي الكبير: ١٦/ ١٥٥.
(٤) الّذي في المنتقى: "وقد بلغني ذلك عن مالك، والدّليل على صحة هذا القول: أنّ في تقديمه للقضاء تضييقًا على المسلمين في طرق القضاء وانفاذًا لأحكام، والحاكم مضطرٌّ إلى أنّ ينظر لكل من يطلب عنده مطلبًا من مطالب الحق، والأعمى وإن كان ... "
(٥) نقل القرافي عن القاضي عياض أنّه قال في التنبيهات: " الإجماع على اشتراط السمع والبصر، إِلَّا ما يُحكَى عن مالك في جواز قضاء الأعمى، فغير معروف ولا يصحّ عن مالك" الذّخيرة: ١٠/ ١٩.
(٦) انظر باقي المسألة في القبس: ٣/ ٨٧٩ - ٨٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>