للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المجلس، وبه قال الشّافعيّ (١) وأبو حنيفة (٢).

وليس لأحد أنّ يليَ القضاء حتّى يكون عالمًا بالكتابِ والسُّنَّة، عالمًا باختلاف الصَّحابة ومَن بعدهم، وأن يكون عالمًا بإجماع أهل العلم واختلافهم، جيِّدَ العقل أمينًا فطِنًا، فإذا كان كذلك وتقلَّد القضاء، أمضَى ما يجب عليه من الأحكام، ممّا هو منصوصٌ في الكتاب والسُّنَّة والإجماع، أو ما دلّ عليه بعضُ ذلك، فإذا ورد عليه مُشكِلٌ من الأمر عندَهُ، أحضر له أهل المعرفة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، وسألهم عن ذلك واستشارهم فيه.

والأصل فيه: قوله تعالى لنبيِّه -عليه السّلام-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} الآية (٣).

وقال الحسن البصريّ: قد علِمَ اللهُ أنّه ليس له إليهم حاجةٌ، ولكن أراد أنّ يسنّ لمن بعده.

وكان سفيان الثّوريّ يقول: بلغني أنّ المَشُورَةَ نصفُ العقل.

وقد سنّ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - الاستشارة في غيرِ ما موضعٍ، واستشارَ أصحابَهُ عام الحُديَبيّة، واستشار أبا بكرِ وعمر في أسرَى بدرٍ.

وقال ابنُ سيرين: التَّثبُّتُ نصفُ القضاءِ.

وقال سفيان الثّوريّ: ليكن أهل مَشُورتك أهل التّقوى وأهل الأمانة ومَن يخشى الله (٤).

فإذا استشارَ القاضي وأفتى العلماء، سألهم: مَنْ قالَهُ؟ وأين قالَهُ؟ فلا يحكم بشيءٍ حتّى تتبيّن له حُجَّة يجب أنّ يحكم بها.

ولا يقلِّد القاضي أحدًا من أهل العلم في زمانه، ولا يقضي شيئًا حتّى يتبين له الحقّ فيه، لا يسعه غير ذلك.

المسألة السّابعة:

ومنها أنّ يحكم باجتهاد الرّأي وما رآه من ظاهر الأمر، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (٥).


(١) انظر الحاوي الكبير: ١٦/ ٢٧٥.
(٢) انظر مختصر الطحاوي: ٣٢٥، وشرح فتح القدير: ٧/ ٢٥٧.
(٣) آل عمران: ١٥٩.
(٤) أخرجه أبو نُعيم في حلية الأولياء: ٧/ ١٣.
(٥) النِّساء: ١٠٥، وانظر أحكام القرآن: ١/ ٤٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>