للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واهية، وأن أبا سفيان كان حاضرًا , ولا خلاف بين الأُمَّة أنّه لا يقضى على غائب في بلدٍ معلومِ الموضع.

الحادية والعشرون: في ذكر أرزاق القضاة

قال الإمام: هذه مسألةٌ اختلفَ أهل العلم فيها، وكَرِهَ طائفةٌ أنّ يَأخُذَ على القضاء أجرًا، وهو مذهب الحسن البصري، وإنّما كان هذا مذهَبُه لِوَرَعِهِ وزُهده في الدّنيا، وبه أخذ الشّافعيّ (١) والقاسم، وقال مرّة (٢): إنَّ أخذ جعلًا لم يحرُم عليه عندي.

وقال أحمد: ما يُعجِبُني أنّ يأخذ على القضاء أجرة، "وإن كان فيعدّ عليه.

ورخّصت طائفة أخرى فيه منهم: ابن سيرين، وشُرَيْح. واحتجُّوا في ذلك: بأن عمر بن الخطّاب استعمل ابن مسعودٍ على بيت المال، وعمّار بن ياسر على الصّلاة، وابن حنيف على الجُنْد، وَرَزَقَهُم كلّ يوم شاة شَطرُها لعمّار، ورُبعها لابن مسعود، وربعها لابن حنيف.

ورخّص في ذلك إسحاق بن رَاهُويَة وأبو عُبَيْد.

وقال أبو بكر بن المنذر (٣): "الأعلى والأسلم له ترك الدُّخول في القضاء، استدلالًا بحديث النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه استعمل رجلًا على عمل، فقال: يا رسول الله جُدْ لي قال: "اجلس وَالزَم بَيتَكَ" (٤) ".

قال الإمام: ولا شكّ أنّ الّذي أشار إليه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان لمعنى توجّسه فيه، والصّحيح أنّه إنَّ ولي القضاءَ رجلٌ وكان مستغنيًا عن أخذِ الأجُرة، فالأفضل له ألَّا يأخذ شيئًا ويعمل لله، فإنِ احتاجَ رُزِقَ على قَدرِ عَمَلِه وعِلمِهِ من مال الفيء، وليس له أنّ يأخذ


(١) انظر الحاوي الكبير: ٦/ ٢٩٢.
(٢) في الأمّ: ١٣/ ٤٣ (ط. قتيبة).
(٣) في كتابه الإقناع: ٢/ ٥١٣.
(٤) ذكر محققُ كتابُ الإقناع أنّ ابن المنذر أخرج هذا الحديث في كتابه الأوسط: لوحة ٨/ ٦٢ [مخطوط المكتبة السليمانية بتركيا].

<<  <  ج: ص:  >  >>