للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَائِعَةً فأَخَذْتُهَا. فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَكذَلكَ؟ قال: نَعَم. فَقالَ عُمَرُ: اذهَبْ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَينَا نَفَقَتُهُ.

الإسناد (١):

قال الإمام: أدخل مالك حديث سُنَيْنٍ هذا، ثمّ عَقَّبَهُ بأن قال (٢): الأمرُ عندنا أنَّه حُرٌّ وأن وَلَاهُ للمسلمينَ، وقد رُوِيَ عن مالك في ذلك روايتان:

إحداهُما: قال أشهبُ: إنّما اتّهمَهُ لأنّه خَشِيَ أنّه ولدُه جاء به ليفرِضَ له من بيت المال. وهذا الكلام عندي قاصرٌ جدًّا؛ لأَنّ عمرَ كان في أصَحِّ قَولَيه وآخرِهِمَا، إذا وُلِدَ للرّجُلِ مولودٌ فرَضَ له من تلك اللّيلةِ. فالرّوايةُ خطأٌ لا شكَّ فيه، وصوابُه أنّ يقالَ: اتَّهمه أنّ يكون جاء به وليس بوَلَدِه، ليفرِضَ له من بيت المال، فيتولّى هو الإنفاقَ عليه فيرتَفِقَ بذلك، وفي مثل هذا نزلت {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ} الآية (٣).

والرواية الثّانية: قال مالكٌ: لو علمتُ أنّ عمرَ قاله لقلتُ إنَّ ولاءه له.

قال بعضُ النَّاس: كيف وَجُهُ هذا الكلامِ من مالكٍ، يَرْوِيهِ ثمّ يشكُّ فيه؟

قلنا: قد قدّمنا في "كتابُ النِّكاح" (٤) الجوابَ على مثل هذا في قوله: "حَبلُكِ عَلَى غَارِبِكِ". والَّذي يَخُصُّ هذا الموضِعَ أنّ قولَه: "وَلَكَ وَلَاؤُهُ" مُحتَمِلٌ أنّ يريدَ به وِلَايَةَ النَّسَبِ. ويحتَمِلُ أنّ يريدَ به وِلَايَة الكفالةِ. فلمّا احتَمَلَ اللّفظُ المعنيَيْن، جاز ذلك.


(١) انظره في القبس: ٣/ ٩١٣ - ٩١٤.
(٢) في الموطَّأ (٢١٥٦) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (٣٠٢١)، وسويد (٣١٢).
(٣) البقرة: ٢٢٠.
(٤) انظر صفحة: ٥٥٠ من الجزء الخامس.

<<  <  ج: ص:  >  >>