للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول (١):

قال الإمام: هذا حديثٌ عظيمٌ، وأصلٌ في الشّريعة قويٌّ، فائدتُه: بيان النَّسبِ الّذي جعلَهُ الله في الخلق للتّعارف ثمّ للتّعاضُد، وأصله: البعضيَّةُ، ولكنّها لمّا كانت خفيّةً، نصَبَ اللهُ للخَلقِ عليها عَلَمًا ظاهرًا وهو الفراشُ، على سُنّتِهِ في حِكمَتِه، ولُطفه بخَلِيقَته في وضع الأشياء الظّاهرة عَلَمًا على المعاني الخفيّةِ الّتي يتفرَّد بالاطِّلاع عليها. وقد قدّمنا لكم منها نظائِرَ، كالحيضِ في براءةِ الرَّحِمِ، وصورةِ السَّفَرِ في تحقيق المشقّةِ الّتي رتّب اللهُ عليها الرُّخصةَ في القَصرِ والفِطرِ في السَّفرِ.

وخُذوا مقدِّمَةً في صِفَةِ القاضي وصورة تَنَاوُلِه للأحكام: إذا حضَر رَجلٌ عند القاضي وقال: أنا وصيُّ فلان، وله حقّ عند هذا الإنسان، أمرَ بإخراجه حتّى يُثبِتَ العَهْدَ، ولا يكلِّمُه عن ميِّتٍ ولا عن حاضِرٍ حتّى يُثبِتَ وكالتَهُ له، ويُثبتَ الوصيُّ أو مَنْ طَلَبَ عن ميِّتٍ حتّى يُثبِت، وهذه طُرقه الّتي يسلك عليها الحاكم.

فلمَّا قال سعد: "ابنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ" وقال الآخرُ: "هُوَ أَخِي، وابنُ وَلِيدَةِ أَبِي". ظَنَّ الغافلُون أنّ ظاهِرَ هذا الكلام؛ أنّ النَّبيَّ -عليه السّلام- لم يَلتَفِت إلى هذه الأحوال الّتي قدّمناها، وهي غفلةٌ عظيمةٌ، فإنّ النَّبيَّ -عليه السّلام- إنّما سَكَتَ عنها لأحدِ وجهين:

إمّا لأنّه كان عَلِمَها وقضَى بعِلْمِه فيها، على قول كثيرٍ من العلماء في قضاءِ القاضي بعلمه.


(١) انظره في القبس: ٣/ ٩١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>