للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عبدُ الرحمن بن مهديِّ: لا يكونُ إمامًا في العِلْم من يأخذُ بالشَّاذِّ من العِلْمِ، ولا يكونُ إمامًا في العِلْمِ من يروي كلّ ما يَسمَعُ. قال: والحفظُ: الإتقانُ (١).

قال أبو عمر (٢) - رضي الله عنه -: "ومعلومٌ أنّ مالكًا كان أشدَّ النّاس تَرْكًا للشّذوذِ في العِلْمِ، وأقلَّهم تكلُّفًا، وأتقَنَهُم حِفظًا، ولذلك صار إمامًا".

وقال مالك: لاَ يُؤخذُ العِلْمُ من أربعةٍ، وَيؤخذُ مِمَّا سوى ذلك، لا يؤخذ من سَفِيهٍ. ولا من صَاحبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إلى هَوَاهُ. وَلاَ مِنْ كَذَّابٍ يكذِبُ في أحاديثِ النّاس وإنْ كان لا يُتَّهَمُ في أَحَادِيثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا ممن له فضلٌ وَوَرَعٌ وَعِبَادَةٌ إذا كان لا يعرفُ مَا يَحْمِلُ وما يُحَدِّثُ به (٣).

قال مالك - رضي الله عنه -: أدْركتُ بهذ البلدةِ مَشْيَخَةً أَهْلَ فّضْل ودِينٍ وصلاحٍ يُحَدِّثونَ النَّاس، ما سمعتُ مِنْ أَحَدٍ منهم قَطُّ شيئًا. قِيلَ لَهُ: يا أبا عبد الله، ولِمَ؟ قال: ما كانوا يعرفون مَا يُحَدِّثون بِهِ (٤).

وكان مالكٌ - رحمه الله - يقولُ: إنَّ هذا العِلْمَ دِينٌ، فانظُروا عمَّن تأخذُون دِينَكُم. قال: ولقد أدركْتُ سبعينَ ممّن يقولُ: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عند هذه الأساطينِ- وأشار إلى المسجد مَسْجِدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فما أخذتُ عنهم شيئًا، وإنّ أحدَهُم لو أؤتُمِنَ على بيتِ مالٍ لكان أمينًا، إلَّا أنّهم لم يكونوا من أهل هذا الشَّأنِ. قال: وقَدِمَ علينا ابنُ شِهَابٍ


(١) رواه أبو نعيم في الحلية: ٩/ ٤، والرّامهرمزي في المحدِّث الفاصل، ٢٠٥ - ٢٠٦، وابن شاهين في تاريخ أسماء الثقات: ٢٧٠، وابن عبد البرّ في التمهد: ١/ ٦٤، وانظر الانتقاء: ٦٢.
(٢) في التمهيد: ١/ ٦٥.
(٣) رواه العقيلي في الضعفاء: ١/ ١٣، وابن عبد البرّ في التمهيد: ١/ ٦٦، والانتقاء: ٤٦، والخطيب في الكفاية: ١١٦، ١٦٠.
(٤) رواه ابن عبد البرّ في التمهيد: ١/ ٦٦، والانتقاء: ٦٧، والخطيب في الكفاية: ١١٦، والقاضي عياض في الإلماع: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>