للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يستعمل موتُها بمعنَى عدم سقيها، قال الله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} الآية (١).

وقال أبو حنيفة (٢): كلّ ما قَرُبَ من العُمران فليس. بموات، وما بَعُدَ ولم يملك قَبْلُ فهو موات.

ورَوَى سحنون عن ابنِ القاسم: أنّ ما قَرُبَ من العُمران فليس بمَوَاتٍ ولا يدخل في الحديث.

فيحتَمِلُ أنّ يريد أنّ اللّفظ عامّ (٣)، فخصّ منه ما قَرُبَ بدليلٍ ظهر إليه، فثبتَ بذلك أنّ المراد به ما بَعُدَ.

ويحتَمِلُ *أنّ يريد أنّ لفظ "الأرض" لمّا ورد منكرًا لم يقتض العموم، وإنّما أريد به ما بَعُدَ دون ما قرُبَ.

ويحتَمِل* قول أبي حنيفة الوجهين.

وأنكر سحنون قول ابن القاسم وقال: المعروف له أنّه لا يجوز له إحياؤه إلّا بإذن الإمام (٤).

وقولُه: "فَهِيَ لَهُ" يقتضي ظاهره ملكه لها، وفي ذلك خمس فصول: الأوّل: في صفة الأرض الّتي تملك بالإحياء. والثّاني: في صفة المُحْيِي لها وحكمه. والثّالث: في


(١) الروم: ٥٠.
(٢) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٥١٨.
(٣) فيمن أحيا ما بَعُدَ وقَرُبَ.
(٤) عقَّب الإمام الباجي على هذه الأقوال بقوله: "وعندي: أنّ قول ابن القاسم هذا يحتمل ما روى عنه سحنون من قوله المعروف، وقد روى ابن سحنون عن أبيه، قال مالك: معنى الحديث في فيافي الأرض وما بَعُدَ من العمران، وهذا القول يحتمل من التّأويل ما يحتمله قول سحنون، نثبت بذلك أنّ الّذي أنكره سحنون حمل قول ابن القاسم على أنّه لا يجوز الإحياء فيما قرب من العمران وإن أذن فيه الإمام على وجه التّمليك بالإحياء وإن جاز أنّ يملكه الإمام على وجه الإقطاع، وقد روى سحنون عن مالك وابن القاسم: ما قَرُبَ من العمران لا يحييه إِلَّا بقطيعة، ونحوها رُوِيَ عن ابن نافع، والله أعلم وأحكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>